أكزيما الأطفال (الاكزيما التأتبية)

الدكتور رياض عبدالهادي مشعل

 

مقدمة:
ويطلق عليها أيضا الاكزيما الطفولية وأحيانا الحساسية الوراثية وكثيرا ما تكون جزءا من متلازمة التأتب وهي عبارة عن مجموعة من الاعراض تصيب عدة اجهزة في الجسم خاصة الجلد في صورة اكزيما الاطفال والجهاز التنفسي في صورة ربو والانف والاغشية المخاطية في صورة حساسية الانف وترتبط هذه الاصابات الثلاث ارتباطا وثيقا ويكثر أن يوجد تاريخ عائلي أو شخصي عند المريض بواحد أو أكثر من هذه الأمراض.


لماذا تحدث أكزيما الأطفال؟


لا يعرف الى الآن أسباب الاصابة بالاكزيما وان كان الكثير قد عرف عنها في السنوات الأخيرة ومن أهم الامور التي تؤدي الى الاصابة العوامل التالية:


1- العامل الوراثي: حيث يكثر أن يكون هناك أقارب من الدرجة الأولى (الأبوان والاخوان) مصابين بها أو بأحد الأضلاع الأخرى (حساسية الأنف والصدر).


2- العوامل المناعية: وهذه أيضا يكثر أن يحكمها العامل الوراثي حيث يمتاز الجهاز المناعي للمصابين باستجابته المفرطة للكثير من الأشياء التي يكثر التعرض لها في في البيئة المحيطة وهذا يؤدي الى انتاج أجسام مضادة من نوع
LgE مسببا كثرة الاستجابة لهذه المؤثرات البيئية.


3- جفاف الجلد" ويعتقد أنه ناتج عن خلل في الطبقات العليا من البشرة المسؤولة عن تكوين حاجز البشرة.

 


كيف تظهر أكزيما الأطفال؟


تظهر أكزيما الأطفال في عدة صور حسب عمر المصاب وتقسم هذه الصور الى المراحل التالية:
1- اكزيما الأطفال الرضع (
Infantile eczema)


حيث تبدأ الاكزيما في أول ستة أشهر من العمر خاصة حوالي الشهر الثالث بظهور احمرار وتقشر على الوجنتين والوجه يمكن أن يتطور الى بقع ناضحة بالسوائل، ويبدأ الرضيع عادة بحك المناطق المصابة في حوالي الشهر الثالث أو الرابع، وحينما يبدأ الرضيع بالحبو فان الاكزيما تنتقل الى مناطق فوق المفاصل حول الكوعين وعلى الركبتين كما يمكن أن تعمم الجسم كله الا انها تكون دائما أقل في ثنايا الجسم الداخلية مثل الابطين ومنطقة الحفاظ.


2- اكزيما الأطفال (
Childhood eczema)


وتبدأ عادة بعد السنتين الأولى من العمر بظهور نفس الآفات ولكن في مناطق ثنايا الجسم الخارجية مثل خلف الركب وأمام الأكواع والوجه كما قد يحدث تعميم للجسم بكامله.


3- اكزيما البالغين (
Adulthood eczema)


وهي امتداد للمرحلة الثانية وتشبهها في توزيع الآفات الا أنه يمكن أن تتقلص الأعراض الى اكزيما في اليد خاصة في مناطق ظهر اليد والأصابع حيث أنها أكثر صور الاكزيما عند البالغين، كما يمكن أن تظهر في صورة اكزيما الجفون والتي كثيرا ما تصيب الأعلى مسببة حكة مزعجة مع انتفاخ في الجفون.

 


التشخيص والفحوصات:


يعتمد تشخيص اكزيما الأطفال بسكل رئيسي على تاريخ المرض والفحص السريري بدون اللجوء الى الفحوص المخبرية والتي قد تفيد في تشخيص وعلاج المكونات الأخرى للمشكلة مثل حساسية الأنف أو الصدر.

 


هل هناك مثيرات خارجية لأكزيما الأطفال؟


هناك العديد من المثيرات الخارجية والتي وان كانت لا تؤدي الى ازالة المشكلة الا أنه يساعد تجنبها على التحكم في المشكلة ومنع انتكاسها ونجاح العلاج:


أ‌- جفاف الجلد: خاصة عند الذين يعيشون في مناطق جافة كبعض المناطق في المملكة العربية السعودية.


ب‌- المهيجات: وتشمل جميع المواد الكيماوية التي تقع على الجلد وأهمها:


1- المنظفات والصوابين


2- المواد الكيماوية عامة


3- الصوف في الملابس وأقل المواد تهيجا للجلد هو القطن الخالص


4- الانتانات الجرثومية


وأهمها الاصابة بالمكورات العنقودية الذهبية التي كثيرا ما تستوطن جلد المصابين.


اكزيما الأطفال والغذاء:


نظرا لارتباط الاكزيما باستثارة عامة للجهاز المناعي لانتاج الأجسام المضادة (
LgE) المسؤول عن افراز حويصلات الخلايا البدينة (Mast Cells) مما يؤدي الى ظهور بعض الأعراض المرضية والى النتائج التالية:


1- يكثر انتاج الاجسام المضادة (
LgE) بشكل غير محدد للكثير من البروتينات الموجودة في الغذاء والبيئة مثل عثة الغبار المنزلية، وفرو الحيوانات الأليفة كالقطط والطيور وغيرها.


2- يكثر أن يؤدي هذا الانتاج المفرط للأجسام المضادة (
LgE) الى حدوث نتيجة موجبة لفحص الحساسية الوخزي (Prick Test) والذي يشير الى انتاج الأجسام المضادة (LgE) في الدم، ولكن هذا قليلا ما يترجم الى حساسية سريرية بمعنى حدوث أعراض مرضية في الحياة اليومية وبالتالي فان تجنب هذه المواد ذات الفحص الموجب ليس بالضرورة مفيد للمريض.


3- في حالة وجود توافق بين الفحص الوخزي الموجب وأعراض المريض فان الأعراض المرضية تكون غالبا في صورة الحساسية الفورية من النوع الأول حسب تصنيف أنواع الحساسية والتي تظهر بشكل الشرى الجلدي (
Urticaria) وليس بصورة اكزيما جلدية.


4- من ذلك ينتج أن المصابين باكزيما الأطفال أكثر عرضة لتكوين حساسية من النوع الفوري (النوع الأول) ولكن هذا شيء مختلف عن الاكزيما ولم تثبت حتى الآن وجود علاقة بين ظهور أو زيادة الاكزيما والغذاء وهذا مشاهد في فشل محاولات العلاج بتغيير أنواع الغذاء وتجنب أنواع معينة أشتهر بين بعض الأطباء ومعظم الناس خطأ بارتباطها بالاكزيما مثل البيض والموز والسمك.


5- في حالة الأطفال فان تجنب أنواع معينة من الغذاء وخاصة ذات المحتوى العالي من البروتين كمشتقات الحليب يؤدي الى سوء التغذية وبالتالي تأخر في النمو الجسمي والعقلي.

 


مضاعفات اكزيما الأطفال:


أ‌- الانتانات الجرثومية:


كثيرا ما يوجد لدى المصابين بالاكزيما ضعف نسبي في المناعة الجلدية مما يسبب سهولة اصابتهم بالانتانات الجرثومية المختلفة وأهمها:


• الانتانات البكتيرية وأهمها القوباء المعدية.


• الانتانات الفيروسية وأهمها الاصابة بالثآليل الجلدية والرخوية المعدية والهربس البسيط.


ب‌- فشل النمو (
Failure To Thrive):


حيث أن الانتانات والالتهابات الجلدية اضافة الى تسرب المصل وسوائل الجسم من خلال مناطق الاكزيما يؤدي الى استهلاك طاقة الطفل مما يسبب ضعفا في نموه.


ج- ضعف التحصيل الدراسي:


حيث أن قلة النوم عند الطفل ليلا بسبب الحكة المستمرة يؤدي الى قلة تركيزه نهارا مما يسبب ضعف تحصيله الدراسي، وقد وجدت بعض الدراسات ان ذلك يتحسن بشكل ملحوظ بعد التحكم الصحيح في الاكزيما


د- زيادة الضغط النفسي على الطفل والعائلة:


ويحدث في الحالات الشديدة حيث تؤدي مضاعفات الاكزيما من انتانات وتكرار الدخول الى المستشفى للعلاج مع حرمان الطفل وأبويه من النوم أثناء الليل الى الشعور بالارهاق والاحباط كما قد يؤدي الى مصاعب وظيفية للابوين ودراسية للطفل المصاب مما قد يؤدي احيانا الى نشوب خلافات عائلية وأن يلقي كل طرف اللوم على الآخر.

 


علاج أكزيما الأطفال:


يعتمد العلاج بشكل رئيسي على شقين رئيسين:


أ‌- برنامج العناية بالجلد:


ويشكل الجانب الرئيسي من العلاج حيث يؤدي الى الأمور التالية:


1- تهيئة أفضل الفرص لنجاح العلاج الدوائي


2- تقليل الفرصة لانتكاسة المرض بعد ايقاف الادوية


3- تقليل العوامل المثيرة للمرض


4- التقليل من استعمال الكورتيزون في العلاج


5- ايجاد نمط حياتي متعايش مع المرض ويستجيب لمتطلبات ونواتج وجود المشكلة


أولا: برنامج العناية بالجلد:


ويركز بشكل اساسي على اصلاح الخلل الرئيسي الموجود وهو الجفاف الدائم، ويتم ذلك بالأمور التالية:


1- استعمال المرطبات الجلدية بتكرار كاف وبشكل مستمر، حيث يجب أن لا يقل التكرار عن أربع مرات يوميا وليس هناك حد أعلى حيث يجب المحافظة دائما على الجلد رطبا، ويعتبر هلام الفازلين من أفضل وأسلم المرطبات كما يمتاز بسعره المنخفض، ويمكن استعمال المرطبات الأخرى من كريمات وخلافها بشرط أن يكون التكرار كافيا وأن لا توجد عند المريض حساسية منها أو مكوناتها.


2- الاكثار من الاستحمام للشخص المصاب: حيث يؤدي ذلك الى زيادة المحتوى المائي للجلد مقللا من الجفاف وتكون أعظم فائدة للاستحمام اذا تم بدون الافراط في استعمال الصابون مع استعمال الفازلين بعده مباشرة وعلى الجلد الرطب بدون تخفيف.


3- التقليل ما أمكن من استعمال المنظفات (الصوابين والشامبوهات) حيث أنها تؤدي الى ازالة طبقات الدهون وجفاف الجلد ويمكن استعمال الصابون وليس الشامبو اللطيف على الجلد مرة أو مرتين أسبوعيا على الأكثر ولا مانع من استعمالها في المناطق الكغلقة كالابطين ومنطقة العانة لأنها رطبة دائما.


4- تجنب استعمال اسفنجات الحمام والليفة لتنظيف الجلد: حيث يكفي المسح اللطيف باليدين.
5- استعمال المغاطس للاستحمام وتجنب الدش: كما يجب أن تكون درجة الحرارة للماء معتدلة وتجنب المار الحار مع امكانية اضافة زيت جسم للأطفال مع الحذر من خطر الانزلاق.


6- الحرص على استعمال الملابس القطنية خاصة الملاصقة للجلد وتجنب الملابس الصوفية نهائيا.


7- المحافظة على درجة حرارة معتدلة للغرفة التي ينام فيها الطفل.


8- المحافظة على أظافر الطفل قصيرة كي لا يخدش الجلد ثم تحدث عدوى بكتيرية تزيد من الحساسية.
ويجب فهم أنه يجب تطبيق البرنامج بشكل متواصل وبدون انقطاع بغض النظر عن نشاط المشكلة حتى في حال اختفائها بالكامل.


ب‌- العلاج الدوائي:


ويطلب وقت نشاط المشكلة ويجب ايقافه حال اختفائها ويتكون من الأمور التالية:


1- مراهم الكورتيزون الموضعية: وتستعمل على الاماكن المصابة فقط دون باقي الجلد حيث تدهن مرتين يوميا حتى تختفي البقعة المصابة ثم يتوقف عنها بعد اختفاء البقع، ويمكن العودة اليها اذا عادت ويستعمل الطبيب عادة مركبات ذات قوة مناسبة لعمر الطفل وللمكان المصاب ولشدة الاصابة، ويجب أن يكون جميع استعمالات هذه المركبات تحت اشراف الطبيب المباشر، وهذه الأدوية مأمونة اذا تم استعمالها بطريقة صحيحة وتحت اشراف الطبيب.


2- مضادات الهستامين بالفم: حيث تستعمل الأنواع المنعسة لتخفيف الحكة ومساعدة الطفل المصاب على النوم ولا تفيد الأنواع غير المنعسة.


3- دواء البيمكروليمس (
Pimecrolimus): وهو شبيه بالدواء السابق ويمكن استعماله للأطفال أقل من سنتين وأكثر من 3 أشهر.


ويعيب الدوائين الأخيرين ارتفاع سعريهما وكونهما حديثي الاستعمال ويجب عدم اللجوء اليهما الا في حال قلق من استعمال أدوية الكورتيزون الموضعية عند الطبيب المعالج.

 


علاج الحالات المستعصية من أكزيما الأطفال:


ويتم ذلك بعدة طرق أهمها:


العلاج الضوئي: حيث يمكن استعمال أشعة أ مع أو بدون السورالين بالفم، وأشعة ب لكبح جماح التهاب الجلد.
الأدوية المثبطة للمناعة: وهناك عدة أنواع يختارها الطبيب حسب ملاءمتها للمريض.


التوقعات المرضية:


معظم المرضى يتخلصون من المشكلة تلقائيا بمرور الوقت حيث تختفي المشكلة عند 50% منهم بسن العاشرة وعند 90% بسن الثامنة عشر وهذا يعني بقاءها عند 10% من المرضى كأكزيما البالغين.


أخطاء شائعة عن أكزيما الأطفال:


1- اكزيما الأطفال مرض وراثي:


خطأ: هي مرض عائلي وليس وراثي ويعني هذا امكانية وجود العامل الوراثي أو غيابه.


2- اكزيما الأطفال ناتجة بسبب حساسية لعامل معين في الغذاء أو البيئة:


خطأ: حيث ان الاكزيما ليست حساسية لعامل معين ومحدد.

 


3- تجنب الاستحمام مفيد لاكزيما الأطفال:


خطأ: ويعتبر من اكثر الأخطاء اساءة للمريض حيث أنه وجدت مدارس طبية قديما تنادي بالتقليل من التعرض للماء على أساس أن ترطيب الجسم ثم جفافه يؤدي الى تفاقم مشكلة الجفاف ولكن هذه الأفكار قد عفا عليها الزمن وتبدلت الى تشجيع الاستحمام ثم استعمال المرطبات الجلدية التي تشكل طبقة تحفظ الماء داخل الجلد وتمنعه من التبخر.

 

 

الأستاذ الدكتور رياض عبدالهادي مشعل

نقلا عن موقع الجمعية الفلسطينية للأمراض الجلدية والتناسلية