القهوة التي نشربها ... صديق أم عدو؟

منذ قديم الزمان عرفت القهوة، وأصبح لها مكانة خاصة عند العرب، وفي بعض الأحيان كانت جزءا من تقاليدهم الاجتماعية.  وكثير من الناس يقبلون على شربها، لأنها توفر لهم أكثر من حالة إنعاش للجسم، خصوصا إذا تناولوها باعتدال، لكن قليلا منهم يعرفون مضارها إذا أفرطوا في شربها.

 

واليوم تأتي الدراسات لتؤكد أنها بتأثيرها المنبه في الجهاز العصبي تعزز القدرات الذهنية، وتنشط الأداء البدني، حتى إنها قد تقي من بعض الأمراض.  وأهم المواد التي تحتويها القهوة هي مادة الكافيين، وهذه المادة تنتمي إلى مجموعة ال (المثيل زانزين) المعروفة بتأثيرها المنبه في الجهاز العصبي، والمعروف أن مجموعة الزانزين تشتمل على الكافيين والثيوفللين والثيوبرومين.

 

 

 

 

إن امتصاص القهوة يتم عن طريق المعدة والأمعاء الدقيقة بعد 15 إلى 45 دقيقة من تناولها، ومن ثم يتم استقبالها في الكبد.

 

فوائد القهوة:

 

القهوة تنشط الأداء البدني، وتزيد القدرات الذهنية، وتخفف الألم أيضا كما في حالات آلام الرأس النصفية، وتزيد من فاعلية الإسبرين بمعدل 40%.  ويظهر دورها الواقي من الأمراض في المشروبات المحتوية على الكافيين ومضادات الأكسدة (خصوصا القهوة والشاي الأخضر والأسود).  وهذه الأخيرة يمكنها أن تحارب الجذور الحرة الضارة لحلايا الجسم.

أجريت عدة دراسات على شرب القهوة، وهل هي مفيدة، إذ يوجد ارتباط بين احتساء القهوة وتحسين استجابة الجسم إلى الأنسولين، وتراجع خطر الإصابة بسكري البالغين (النمط الثاني). كما تزيد القهوة من الإنجاز الرياضي، إذ تحدث زيادة في التقلص العضلي أعلى ب 15% من السرعة الاعتيادية عند من لم يحتس هذه المادة الفعالة.

 

وأثبتت دراسات أخرى على 140 ألف شخص  يشربون القهوة بانتظام أنها تحدث تباطؤا في تلف العصبونات الدماغية، مما يمنع تدهور حالة مرضى الشلل الرعاشي (باركنسون)، إذ إن خطر انتشار هذا المرض في عضلات الجسم يصبح أقل ب 5 مرات إذا ما استهلكت القهوة بنسبة 4 فناجين قهوة يوميا.

 

مضار القهوة:

 

تحدث تغيرات فيسيولوجية في الجسم على أثر تناول فنجانين أو ثلاثة فناجين من القهوة في حالة عدم تعود الشخص تناول القهوة من قبل.  أما الشخص الذي اعتاد شربها يوميا، فإن هذه التغيرات تبدو غير ملحوظة، وذلك لتعود الجسم عليها، وأهمها ارتفاع بسيط في ضغط الدم بعد ساعة من تناولها، والزيادة في ضربات القلب، وفي حركات التنفس، وزيادة في كمية البول، وزيادة في مستوى الأدرينالين في الدم، مما يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية في المخ، واتساع الأوعية الدموية في الأطراف، والقلق، وربما عدم الرغبة في النوم عند المسنين، وإفراز العرق، وزيادة في إفراز العصارة المعدية، وتقلصات المعدة.

 

ولدى بعض الأشخاص ظهور أعراض أخرى، مثل سرعة التأثير، وصعوبة التركيز، والإرهاق، والغثيان والتقيؤ، وآلام العضلات أو التيبس في فترة تراوح بين 12 و 24 ساعة بعد التوقف التام عن تناول كمية كبيرة من الكافيين في اليوم، ولكنها ظهرت أيضا لدى أشخاص لم يكونوا يتناولون أكثر من 100 ملجم من الكافيين في اليوم.

 

كشفت دراسة أجريت على أكثر من 1000 شخص من عشاق القهوة، جرى متابعتهم أكثر من 5 سنوات، أن شرب 5 فناجين قهوة يوميا أو أكثر يزيد من معدلات الإصابة بأمراض الشرايين التاجية ثلاث مرات، وأشارت عدة دراسات إلى أن القهوة إذا أسئ استعمالها فهي مسئولة عن ارتفاع ضغط الدم، وازدياد في مستويات الكولسترول الضار LDL.

 

ومن المفضل عدم شرب القهوة في أثناء الحمل، لحدوث عيوب خلقية في المواليد في بعض الأحيان، وأورام الثدي الحميدة، والشعور بآلام ما قبل الدورة الشهرية عند بعض النساء، وينصح بتجنبها لدى الأشخاص المصابين بقرحة معدية، وعند الذين يشكون من تسارع في القلب، واضطرارات في نبضه.  وقد اتضح أن شرب كميات زائدة من القهوة يولد الكآبة والنرفزة والهيجان، وتختلف التأثيرات السلبية والإيجابية للكافيين من شخص إلى آخر حسب حساسية كل شخص، كما أن الإكثار من شرب القهوة يؤدي إلى نضوح الكالسيوم أو هروبه، والإصابة بمرض ترقق العظام، وذلك حسب دراستين حديثتين أجريتا في أمريكا وبريطانيا.

 

كما أن الإكثار من شرب القهوة يحدث ترسبات على مينا الأسنان، ويجعلها سوداء.  وتشير الأبحاث التي أجريت في أمريكا أن كمية الكافيين التي تم عزلها من حليب الأم المرضعة كانت أكثر بكثير من مستوى الكافيين في الدم، مما يؤكد خطورة شرب القهوة في أثناء الرضاعة، ومدى الضرر الذي تسببه الأم لرضيعها من وراء شربها القهوة في هذه المدة الحرجة.  ويؤكد الباحثون أن الاضطرارات العصبية والصراخ وعدم النوم والتوتر الشديد، التي قد تصيب الأطفال حديثي الولادة، غالبا ما ترجع إلى كثرة تناول الأم القهوة.

 

إن تأثير القهوة في الجنين في أثناء الحمل واضح، إذ إن تناول المرأة الحامل 200 ملجم من مادة الكافيين يوميا: أي ما يعادل فنجانين من القهوة، يزيد من احتمالات حدوث الإجهاض 1.7 مرة بالمقارنة مع السيدات اللاتي لا يشربن القهوة، مما يؤكد ارتباط شرب القهوة بارتفاع معدلات الإجهاض عند المرأة الحامل، وإلا فإن الجنين قد يصاب بإعاقات وأمراض، من أهمها أن الدماغ لا ينمو بطريقة سليمة، وقد يصاب الطفل بنقص المناعة، والتفسير العلمي لذلك أن مادة الكافيين يمكنها عبور المشيمة لتصل إلى أنسجة الجنين، ولأن أجهزة الجنين لا يمكنها تكسير مادة الكافيين والتخلص منها، فإن ذلك يؤدي إلى تراكمها في أنسجته ساعات طويلة، ويمكن نتيجة لذلك حدوث انقباض شديد في الأوعية الدموية بالمشيمة، ونقص كمية الأوكسجين التي تصل إلى الجنين، وما يصاحب ذلك من مضاعفات، أهمها: النقص الشديد في وزن الجنين، والتشوهات الخلقية، وموت الجنين أو الإجهاض.  ومن المفضل التخفيف من تناول القهوة قدر الإمكان لدى النساء اللاتي يرغبن في الحمل، وذلك لأن تناول فنجانين من القهوة أو ثلاثة يوميا يمكن أن يقلل من فرص حدوث الحمل.

 

وأخيرا، يمكن أن تتجسد تأثيرات الكافيين على شكل قلق وأرق، وأطهرت دراسة بريطانية أنه بعد تناول 200 ملجم من الكافيين (ما يعادل تقريبا الكمية الموجودة في فنجانين ونصف فنجان متوسط الحجم من القهوة) يميل الناس إلى تقويم الوضعيات على أنها أكثر إثارة للتوتر، كما تتراجع ثقتهم بقدرتهم على التعامل مع هذه الوضعيات.

 

وتشير دراسات أخرى إلى أن الكافيين يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع مؤقت في ضغط الدم، كما أنه يزيد الشعور بالقلق، خصوصا لدى الأشخاص الذي يعانون اضطرابات تتمثل في القلق الاجتماعي، وأولئك الذين يتناولون أدوية معينة تنظم مستويات الأدرينالين، مثل تلك المستخدمة في علاج أمراض القلب، إذ إن الكافيين يعطل مفعول هذه الأدوية، وهذا ما يؤثر سلبا في هؤلاء الأشخاص. 

 

إضافة إلى ذلك، فإن الكافيين يمكن أن تظل فاعليته في الجسم مدة قد تصل إلى 7 ساعات بعد تناوله، وهذا يسبب اضطرابات في النوم لدى الأشخاص الحساسين، فإذا كنت من الأشخاص الذين يعانون دوما صعوبة في الإخلاد إلى النوم ليلا فعليك أن تعيد النظر في كمية الكافيين التي تتناولها يوميا، لتكون أقل من 200 ملجم (أي أقل من 3 فناجين)، وأن تتوقف عن احتساء أي مشروب يحتوي على الكافيين (كالقهوة والشاي والكاكاو والكولا) بدءا من الساعة الثالثة بعد الظهر، وذلك لتفادي الأرق.

 

الدكتور نزار محمد الناصر

طبيب واختصاصي قلب وأوعية – حلب - سوريا

نقلا عن مجلة الفيصل العلمية

 

 

 

The best bookmaker in the UK William Hill - whbonus.webs.com William Hill