الصدفية للدكتور مروان بن محمد الخواجة

الدكتور مروان بن محمد الخواجة

في الزمن البعيد أختلط الأمر على المطببين والحكماء بالنسبة لمرض الصدفية فظنوا أنها نوع من أنواع الجذام .. واستمر هذا المفهوم الخاطئ لقرون عديدة الى أن تميزت الصدفية عن بقية الأمراض وكان ذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر.

تتراوح نسبة المصابين بالصدفية من 0.1% الى 2.8% مع وجود نسبة أكبر من المصابين في بعض البلاد كما في روسيا والقطب الشمالي حيث تصل الى 11.8%.

تصيب الصدفية عادة الذكور والإناث في سن 40_20 عاماً ولكن في بعض الحالات قد تصيب الأطفال والمتقدمين في السن.. وعادة ما تلازم الصدفية المصاب لبقية العمر مع أن هناك الكثير من الحالات التي تتحسن تلقائياً الى حد كبير قد لا يحتاج معها المريض الى أي علاج.

ماهي الصدفية ؟

هي مرض مزمن يصيب الجلد وقد يؤثر في الحالات الشديدة على أعضاء أخرى في  الجسم مثل المفاصل والأوعية الدموية وتمثل خللاً في الطبقة العليا من الجلد مما يؤدي الى تكاثر الخلايا بسرعة أكبر من المعدل الطبيعي.

ورغم التقدم الكبير في وسائل التعرف على أسباب الأمراض يظل سبب الصدفية الحقيقي مستعصٍ على الفهم .. ومع هذا فإنا نعلم على الأقل بوجود اضطراب في جهاز المناعة ، كما أن الوراثة تلعب دوراً مهماً وكذلك العوامل والظروف المحيطة بالمصاب مثل الإصابة ببعض الميكروبات المعدية ، الصدمات والضغوط النفسية ، العوامل المناخية كالبرد والجفاف وقلة التعرض لأشعة الشمس وإصابة الجلد السابقة بأمراض أخرى وتناول بعض الأدوية مثل تلك المستعملة في علاج الروماتيزم والأمراض النفسية وارتفاع ضغط الدم علماً بأن الصدفية غير معدية كما أن إصابة الأبناء والأطفال ليست حتمية لأن الشكل الوراثي في الصدفية غير محدد ولكي يظهر المرض فلا بد من تفاعل عدة عوامل بطريقة معقدة وغير مفهومة.

علاقة الصدفية بالأمراض الأخرى ؟

أظهرت الدراسات مؤخراً بأن لدى مرضى الصدفية استعدادا للإصابة بمتلازمة اضطراب الأيض مما يؤدي الى ارتفاع نسبة الدهون الضارة في الدم وكذلك السكر ومن ثم ارتفاع ضغط الدم وأمراض الشرايين والقلب خصوصاً عندما تكون الصدفية شديدة ويصاحبها سمنة… وعلى ذلك أصبح لزاماً متابعة المريض دورياً للتأكد من سلامته من تلك الأمراض وإعطاءه الأدوية المناسبة حيث وجد أن بعض الأدوية المستعملة في علاج الصدفية كالميثوتركسات والبيولوجية لها أثر إيجابي على الأمراض المصاحبة.

أشكال الصدفية ؟

 النوع الأكثر شيوعاً يظهر على شكل بقع أو لطخات حمراء بارزة مغطّاة بقشور خشنة بيضاء فضية أو صدفية اللون على المرفقين والركبتين وفي الرأس وقد يصيب أي جزء من الجلد وقد تغطي معظم مساحة الجلد وعند إصابة ثنايا الجسم كما في الإبطين وأعلى الفخذين تكون الصدفية ملساء وخالية من القشور.

وفي فروة الرأس تكون القشور أسمك وقد يصاحبها حكة شديدة وكذلك في مناطق الكفين والقدمين بالإضافة الى تشققات مؤلمة.

كما تظهر الصدفية على شكل بثور صديدية على الجسم أو تتركز في باطن اليدين والقدمين وهذا النوع شديد ولكنه غير شائع.

وفي الأطفال قد يصاب الوجه وأطراف الأصابع كما أنهم أكثر إصابة بالصدفية النقطية التي تكون على شكل بقع صغيرة حمارها فاقع وقشورها قليلة وغالباً ما يسبقها التهاب الحلق أو اللوز وتستجيب للمضادات الحيوية.

وصدفية الأظافر شائعة وقد تكون عبارة عن نقر صغيرة في سطح الأظافر أو تغير جزئي في اللون وقد تؤدي الى تشوه الأظافر أو تقوضها وفقدانها ، وأحياناً يصاحب الصدفية التهاب في المفاصل خصوصاً الصغيرة منها في اليدين والقدمين وقد تؤثر على مفاصل أسفل الظهر .. وتشخيص الإصابة مبكراً مهم للغاية لمنع حدوث عاهة مستديمة في هذه المفاصل.

علاج الصدفية ؟

إن الهدف الأساسي من علاج الأمراض جميعاً هو الوصول الى أفضل النتائج مع أقل الأثار الجانبية.

ولأن الصدفية تكون في معظم الحالات بسيطة ومحدودة فإن علاجها ممكن بسهولة وبأقل أنواع العلاج ضرراً أو حتى بدون ضرر كما في استعمال الكريمات المرطبة والفازلين والزيوت النباتية.

هناك العديد من العلاجات واختيارها يعتمد الى حد بعيد على نوع الصدفية واتساعها ومكان الإصابة ووجود أمراض مصاحبة والعمر والجنس ومدى معاناة المريض وملاءمة العلاج لظروفه المادية والاجتماعية.

وينقسم العلاج الى نوعين:

الموضعي: الكورتيزونات الموضعية و تستخدم في الحالات المحدودة والخفيفة الى متوسطة وغالباً ما يضاف اليها علاجات أخرى للتخفيف من أثارها الجانبية ومن ثم الاستغناء عنها لاحقاً كمراهم القطران ومشتقات فيتامين د وحمض السلاسيلك والأنثرالين وكلاً من الأخيرة يمكن استعمالها بمفرده شريطة توخي الحذر لتجنب الأثار الجانبية التي تترتب على امتصاصها كما في مركبات الساليسيلات وفيتامين د أو تهيج الجلد وتصبغه كما في الأنثرالين والقطران.

 وفي الحالات ألأشد يضاف إلى العلاجات الموضعية الأشعة البنفسجية ( أ أو ب ) مع أو بدون عقار السورالين وهذه فعالة ولكن تحتاج إلى الانتظام على العلاج – غالباً في المستشفى _ مرتين الى ثلاث مرات في الأسبوع لعدة أشهر.

الداخلي: وذلك عن طريق الفم  أو الحقن ويكون ذلك في الحالات المتوسطة أو الشديدة وأهم العقارات المستعملة هي الميثوتركسات , السيكلوسبورين , الأسترتين ، الميكوفينولات موفويتل والعلاج بالعقارات البيولوجية…

وأكثر هذه الأدوية استعمالا عقار الميثوتركسات وهو فعال وآمن إذا أتّبعت تعليمات الاستعمال بدقة ، ولكن على المدى البعيد قد يؤدي الى تليف في الكبد ونحتاج حينئذٍ الى أخذ عينات من الكبد للتأكد قبل الإستمرار في العلاج.

أما السيكلوسبورين فهو أسرعها نتيجة ولكن يحد من استعماله آثاره الجانبية على الكلى والتي تحدث حتى مع الجرعات الصغيرة عندما تعطى لمدة طويلة ويمنع عادة استعماله لأكثر من ستة أشهر متواصلة وبما مجموعه عامين..

ألاسترتين ممتاز في علاج الصدفية خصوصاً الصديدية ولكن لا يحبذ إستعماله للنساء في سن الحمل حيث أنه قد يسبب تشوهات شديدة في الجنين ولمدة عامين الى ثلاثة بعد إيقاف العلاج.

أما الميكوفينولات فهو أضعف من العلاجات الأخرى للصدفية ولكنه آمن نسبياً للمرضى الذين يعانون من اضطرابات في وظائف الكبد أو الكلى تمنع من استعمال الأدوية الأخرى..

ويشكل العلاج البيولوجي اختراقاً مهماً في علاج الصدفية الشديدة أو المتوسطة المقاومة للعلاج ويأتي نتيجة أبحاث متقدمة على مستوى الجزيئيات الدقيقة المؤدية الى ظهور المرض ؛ وفي السنوات الأخيرة تمكناّ من الوصول الى فعالية عالية قد تصل الى 90% أو 100% وغالباً بآثار جانبية مقبولة .. ولكن يظل العائق الأكبر في استعمال هذه العقارات على نطاق واسع تكلفتها الباهظة خصوصاً أن على المريض استعمالها لمدة غير محدودة.

الدكتور مروان بن محمد الخواجة

أستاذ واستشاري الأمراض الجلدية بكلية الطب

جامعة الملك سعود ومستشفى الملك خالد الجامعي