التغيرات في الجلد أثناء فترة الحمل

يمثل الحمل حدثا سعيدا للعديد من السيدات إلا أنه قد يحمل كثيرا من القلق والتساؤلات الطبية المختلفة وكثير منها يتعلق بالجلد وما يصيبه من تغيرات وأمراض، ولذلك كان أهمية الحديث عن الحمل والجلد.

أثناء الحمل تحدث كثير من التغيرات بداخل الجسم تشمل تغيرات هرمونية ومناعية وغيرها مما يؤثر على جلد السيدات الحوامل ويجعله مختلفا في هذه الفترة عما كان عليه قبل الحمل.

ولا شك أن المعرفة العامة بهذه التغيرات الجلدية أمر يهم السيدات عامة والحوامل منهن بشكل خاص حتى لا ينتابهن القلق والخوف من المجهول على بشراتهن ومظهرهن الخارجي.

ويمكن تقسيم الأمراض الجلدية التي تصيب الحوامل إلى ثلاثة مجموعات رئيسة:

  1. التغيرات الفسيولوجية (الطبيعية) بالجلد المصاحبة للحمل.
  2. الأمراض الجلدية التي تتأثر بالحمل سلبا أو إيجابا.
  3. أمراض جلدية معينة تظهر أثناء الحمل.

وسأحاول في هذا المقال استعراض شيء من  هذه الأمراض حتى يلم القارئ الكريم بصورة واضحة تثري معلوماته العامة وتطمئن السيدات الحوامل.

أولا: التغيرات الفسيولوجية بالجلد أثناء الحمل:

وهي تغيرات يمكن أن نصفها بالمتوقعة أو الطبيعية عطفا على أنها تحدث نتيجة للتغيرات الهرمونية المصاحبة للحمل وتشمل عدة أشكال نذكر منها:

التصبغات الجلدية والكلف:

هذه التصبغات تصيب كثيرا من الحوامل نتيجة لإفراز الهرمون المحفز للخلايا الصبغية وتتخذ عادة شكل استمرار عام بلون الجلد مع غمقان أشد ببعض المناطق مثل منطقة الإبط والعانة وأعلى الفخذين وحلمات الثديين كما يمكن أن يزيد لون الوحمات والنمش الموجودة قبل الحمل وكذلك الندب.

بالنسبة للكلف:

فهو أحد التغيرات الشائعة التي تصيب الحوامل وذكرت بعض الدراسات أن نسبة الإصابة به قد تصل إلى 70% من السيدات الحوامل خاصة لمن لديهن استعداد وراثي.  وقد يكون سطحيا بطبقات الجلد العلوية (وهو الشائع) أو عميقا أو الاثنين معا.  والملاحظة المطمئنة أن أغلب هذه التغيرات اللونية بما فيها الكلف يختفي بعد الولادة، وإذا استخدمت المرأة أقراص منع الحمل بعد الولادة وكانت تعاني من الكلف فإن المشكلة تزداد سوءا.  وقد لوحظ أن استخدام بعض المساحيق التجميلية والتعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة ووضع العطور على البشرة قد يزيد الكلف أو على الأقل يؤخر من اختفائها.  وعموما يتوفر علاج موضعي من واقيات الشمس وكريمات مبيضة للكلف والتصبغات التي تستمر بعد الحمل أو يتكرر ظهورها بكل حمل.

تغيرات بالشعر:

زيادة نمو الشعر بالجسم خاصة شعر الوجه وبدرجة أقل الظهر والأطراف.  ولكنها زيادة مؤقتة قد تحتاج إلى 6 أشهر بعد الولادة حتى يعود نمو الشعر لمعدله السابق، وإذا كانت الزيادة بشعر الجسم شديدة جدا أو لم تتحسن بعد الولادة عندها ينبغي للسيدة مراجعة المختص للتقويم واستبعاد الأمراض الهرمونية أو تكسيات المبايض.

بالنسبة لشعر الرأس وبالرغم من أنه يزداد نموا وكثافة أثناء الحمل نتيجة التغيرات الهرمونية إلا أن هذه الزيادة المكتسبة يتم فقدانها بعد الولادة وتظهر على شكل تساقط شعر عام أو بمقدمة الرأس، وقد يكون غزيرا ومزعجا لكثير من السيدات، إلا أن لهذا التساقط مرحلة مؤقتة قد تستغرق من شهر إلى 6 أشهر بعد الولادة، وبعدها يتوقف بدون الحاجة إلى علاج في كثير من الحالات.

تغيرات بالأظافر:

كظهور نتؤات على سطح الظفر وخشونته وضعف الظفر وسهولة انفصاله عن محيطه.

زيادة إفراز الغدد الدهنية والعرقية:

زيادة نشاط الغدد الدهنية قد تؤدي إلى تفاقم حب الشباب أو ظهوره لأول مرة لدى الحامل، وقد تظهر بروزات بنية اللون بحلمات الثدي ينبغي أن لا تقلق السيدات لأنها عبارة عن غدد دهنية متوسعة ومتحورة تسمى (Montgomery's Glands or Tubercles).

ظهور التشققات الجلدية:

وهي واحدة من أكثر التغيرات الجلدية التي يشتكي منها السيدات وتصيب تقريبا 90% من الحوامل، وقد تزعجهن وتدفعهن للبحث عن علاج رغم أنها تكيف طبيعي من الجسم للنمو والامتداد المتزايد بأنسجته الضامة نتيجة للحمل، ومع تزايد الشد خاصة أثناء الشهور الأخيرة من الحمل تظهر هذه التشققات الطولية الوردية اللون على مناطق الصدر والبطن والفخوذ وغيرها، وبالإضافة لعامل التمدد والشد المصاحب للحمل يلعب العامل الوراثي دورا في حصول هذه التشققات التي تبهت باللون (تبيض) بعد الولادة وقد لا تختفي تماما للأسف.

تغيرات بالأوعية الدموية وتشمل:

احمرار باطن الكفين توسع الشعيرات الدموية الصغيرة بالجلد: وتظهر أوضح لدى صاحبات البشرة البيضاء، خاصة بالشهر الثاني إلى الخامس من الحمل وتزول تلقائيا بعد الولادة في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.

انتفاخ الجلد:

يلاحظ لدى نصف السيدات الحوامل تقريبا بمنطقة الوجه وما حول العينين خاصة بالصباح عند الاستيقاظ من النوم ويخف بعد ذلك.

ظهور الدوالي أو زيادتها:

نتيجة لارتفاع الضغط بالأوردة مما يتسبب بتوسعها وظهور الدوالي خاصة بمنطقة الساقين وهي تصيب تقريبا 40% من النساء الحوامل ولا تشكل خطرا ولا تنتهي بمضاعفات باستثناء نسبة ضئيلة من السيدات قد تصاب بالجلطات الوريدية مع هذه التغيرات بالأوعية الدموية.

زيادة احمرار لثة الأسنان والتهابها:

ويشتكي كثير من السيدات من ألم باللثة مع نزيف بها وهو أيضا تغير فسيولوجي يحدث كثيرا بالأشهر الأخيرة من الحمل ويزول بعد الولادة، ويعود ذلك إلى احتقان اللثة نتيجة زيادة كمية ما بها من دم جراء زيادة هرمون البروجستيرون وقلة هرمون الاستروجين.  وتستمر هذه الحالة حتى نهاية الحمل ولا تحتاج سوى غسول مطهر للفم للابتعاد عن التهابات اللثة، كذلك قد تزداد نسبة تسوس الأسنان بعد الشهر الرابع، كما قد تظهر بعض تقرحات الفم، وقد تظهر أيضا بعض الزوائد بين الأسنان.

ثانيا: الأمراض الجلدية التي تتأثر بالحمل سلبا أو إيجابا:

من الأمراض الجلدية التي تشتد أو تسوء أثناء الحمل:

وعلى الجانب الأخر هناك أمراض جلدية تتحسن مع الحمل:

ثالثا: أمراض جلدية تظهر أثناء الحمل:

1-  الركودة الصفراوية داخل الكبدية الحملية (Intrahepatic Cholestasis of Pregnancy):

يظهر بالأشهر الأخيرة من الحمل وهو يسبب اضطرارا بإفراز العصارة الصفراوية للمرارة، ونسبة حدوثه قليلة تتراوح بين 0.02% إلى 2.9% من الحوامل.  تزداد في الحمل التوأم، صورته العامة كما يلي: حكة عامة بالجسم مع أو بدون يرقان، نتائج التحاليل المخبرة تشير إلى اضطراب بالمرارة ويزول المرض بعد الولادة ولكن قد يعاود الظهور بالحمل التالي لدى النصف من المصابات تقريبا.

من مضاعفات المرض التي قد تحدث عند بعض السيدات النزيف، ولذلك ينبغي الوقاية من حدوث هذا النزف أثناء الوضع والناجم عن نقص الفيتامين (ك) بإعطاء هذا الفيتامين، وبالنسبة للجنين هناك احتمال 1-3% حدوث وفاة داخل الرحم، لذلك تعتبر الركودة الصفراوية داخل الكبد الحملية حملا ذا خطورة مما يقتضي المراقبة الدورية للأم والجنين.

السبب الحقيقي وراء الاضطراب بإفراز عصارة المرارة الذي أدى إلى حدوث هذا المرض لا يزال غير معروف، وهناك نظريات تتعلق بدور العامل الوراثي والهرموني في ذلك.

ومن حسن الحظ تستجيب الحكة للمرطبات والعلاجات المتوفرة من موضعية أو أدوية بالفم أو بالعلاج الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية التي يمكن للحوامل التعرض لها بأمان.

2-  حبات الأرتكاريا الحملية المسببة للحكة (Pruritic Urticarial Papules and Plaques of Pregnancy):

ويعد أكثر أمراض الجلد الخاصة بالحمل انتشارا إذ يصيب حملا واحد من كل 150 إلى 300 من مجموع الأحمال، يصيب عادة النساء بحملهن الأول بالشهور الثلاثة الأخيرة ولا يتكرر بالأحمال التالية لحسن الحظ، ويبدأ عادة على شكل طفح أحمر بارز ومنتفخ بالتشققات الجلدية بمنطقة البطن، ثم ينتشر لمناطق أخرى من الجسم كالصدر واليدين.  لا يعرف في الوقت الحاضر الأسباب الكامنة وراء ظهور هذا الطفح، وهناك نظريات تعلل حدوثه بمادة تفرز من المشيمة تعمل على نمو الأنسجة الضمة بالجلد وحدوث الالتهاب الجلدي.

يتميز هذا المرض بطبيعته الحميدة وأنه لا يؤثر على صحة الأم أو الجنين العامة، كما ينتهي عادة تلقائيا بوقت قصير لا يتجاوز الستة أسابيع ويمكن تقليل هذه الفترة والتخفيف من أعراض الحكة المزعجة للمريضة بدهانات موضعية وعلاجات بالفم أو حتى بالعلاج الضوئي بالأشعة فوق البنفسجية.

3-  فقاعيات جلد الحوامل (هربس الحمل)  (Herpes Gestationis):

ورغم عدم انتشار هذا المرض إذ يصيب حالة حمل واحدة من 40.000 أو 50.000 من مجموع حالات الحمل إلا أنه أحد أهم الأمراض الجلدية الخاصة بالحمل والتي تحتاج للتشخيص السليم والعلاج من قبل المختص، ويظهر بشكل مفاجئ من الشهر الرابع إلى الشهر التاسع تقريبا على شكل طفح ارتكاري على منطقة البطن مصحوبا بحكة شديدة، ثم ينتشر بالمناطق الأخرى من الجسم مع ظهور الفقاقيع الممتلئة بالسوائل كما هو واضح بالصورة.

عادة يتحسن المرض في الشهور الأخيرة من الحمل إلا أنه قد يعاود الظهور بشدة أثناء الولادة أو بعدها بأيام لينتهي بشكل تلقائي لدى أغلب المريضات بعد فترة النفاس، وقد يعاود الظهور بشكل أخف من السابق عند استخدام حبوب منع الحمل الهرمونية أو بالأحمال التالية:

لم يعرف طبيا (حتى الآن) العامل المسبب له وهناك نظريات تتعلق بدور المناعة الذاتية في إحداثه، ولذلك يحتاج المرض في علاجه إلى استخدام الأدوية المثبطة للمناعة مثل الكورتيزون والسايكلوسبيرين والتي عادة لا تشكل خطرا على صحة الأم أو الجنين إذا كانت تحت إشراف طبي دقيق.

ومما يجدر الإشارة إليه أيضا أن المرض بحد ذاته لم يؤد إلى حالات وفاة بالأجنة كما بينت الدراسات في هذا المجال، لكن ذكرت بعض المصادر أن نسبة بسيطة من المواليد قد تصاب بهذا الطفح الجلدي ولكن بشكل أخف بكثير من طفح الأم وقد يولد بعضهم مبكرا قبل وقته (أطفال خدج).

ما تم عرضه يمثل بعض الأمراض الجلدية التي قد تصيب بعض الحوامل وليس شرطا حدوثها لدى الجميع كما أنها بالمتابعة والعلاج المبكر لدى طبيب الأمراض الجلدية لا تشكل خطرا بإذن الله على صحة الأم أو الجنين في معظم الأحيان، هذا ودعواتنا للسيدات بحمل هادئ وولادة يسيرة بلا حكة أو مشكلات جلدية.

الدكتورة هند بنت متلع العتيبي

مستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض