الاضطرابات النفسية الجلدية

الدكتور مهند علي الجندي

 

إن العلاقة بين الأمراض الجلدية والاضطرابات النفسية علاقة متداخلة، إذ أن كثيرا من الأمراض الجلدية يسبب اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب، وبالمقابل فإن بعض الأمراض النفسية يمكن أن يسبب مرضا جلديا كالتهاب الجلد المفتعل، كما أن العوامل النفسية كثيرا ما تؤثر في سير أمراض جلدية كالصداف والتهاب الجلد البنيوي.

 

 

تأتي هذه العلاقة من كون الجلد عضوا حسيا يستقبل إحساسات اللمس والحرارة والألم إضافة إلى الإحساسات الجنسية، بما تحمله تلك الإحساسات من تأثيرات نفسية عميقة . فعلى سبيل المثال، يبدي الرضع الذين يجرى لهم تدليك (مسّاج) كسبا في الوزن أسرع ب 50% من أقرانهم الذين لا يجرى لهم هذا المسّاج، ويشجع عناق الأطفال وضمّهم النمو العاطفي لديهم. يمكن القول إن الجلد عضو للتعبير العاطفي ومكان لتفريغ التوتر النفسي، إذ نجد أن حالات الخوف مثلا تنعكس مباشرة على لون الجلد وقوامه فتسبب الشحوب ورطوبة اليدين.

من جهة أخرى، يرتبط الجلد مباشرة بالمظهر الخارجي للإنسان وصفاته الجمالية، وبالتالي يؤثر بشكل كبير في تواصله الاجتماعي وفي تقديره لذاته. إن الأمراض الجلدية التي تصيب مناطق كالأنف تسبب أثرا نفسيا عميقا بالمقارنة بالأمراض التي تصيب مناطق كالظهر. كما أن إصابة الأعضاء التناسلية بمرض جلدي تحدث أيضا تأثيرا نفسيا كبيرا إذ تشغل الناحية التناسلية حيزا كبيرا في الانطباع اللاواعي الذي يشكله كل إنسان عن جسمه.

بالنظر إلى الأهمية الاجتماعية للجلد، نشير إلى أن الخجل والانطوائية التي تسببها الأمراض الجلدية مرتبطة إلى حد ما بالأفكار الشعبية المتوارثة عن علاقة أي مرض جلدي بالعدوى والإنتان، وبالتالي اجتناب المريض والتعامل معه بسلبية.

إن كثيرا من الاعتقادات الخاطئة الدينية وغيرها ما تزال موجودة لدى بعض الشعوب حول أمراض كالبهاق والجذام، ما يدفع بالجماعة إلى نبذ المريض لاعتقادها بارتباطه بقوى شريرة.

 

نتحدث فيما يلي عن أهم وأشيع الأمراض الجلدية الناجمة عن اضطرابات نفسية:

 

هوس نتف الأشعار:

يتميز هذا المرض بسحب متكرر للشعر خاصة من فروة الرأس، يتم بشكل واع أو لاواع، ويسبقه شعور بالقلق والتوتر خصوصا لدى  مقاومة هذا السلوك، ثم الشعور بالارتياح بعد سحب الشعر كتفريغ للتوتر.

يؤدي هذا المرض إلى ظهور بقع خالية من الشعر أو تحوي أشعارا مبعثرة ومكسرة بأطوال متفاوتة. يصيب الأطفال والكبار، وقد يكون ناجما عن مشاكل اجتماعية يعيشها الطفل أو المراهق في المنزل مع الوالدين أو في المدرسة، وفي بعض الحالات يترافق المرض مع ابتلاع الشعر وحدوث اضطرابات هضمية.

يمكن أن يصاب الحاجبان والرموش وأيضا شعر الجسم، وقد يؤدي هذا الاضطراب إلى فقدان دائم للشعر لذا يجب علاجه بالدعم النفسي والمعالجة السلوكية، ويمكن استخدام عدد من الأدوية المضادة للاكتئاب.

قضم الأظافر :

اضطراب شائعلدى الأطفال والمراهقينغالبا ما يصيب أظافر اليدين، وينجم عن سلوك قهري متكرر يترافق غالبا مع التوتر النفسي، ومن المهم ذكره أن الأطفال غالبا ما ينكرون قيامهم بقضم الأظافر، وقد يؤدي إلى الداحس الظفري وتخرب الظفر.

 

العد التسحجي:

يصيب بشكل خاص الشابات والنساء بمتوسط عمر 30 سنة، وينجم عن قيام المريض بنتف الجلد وعصر أو اقتلاع حبوب الشباب (التي قد تكون قليلة جدا) إلى درجة تترك حفرا وندوبا، ويترافق مع القلق والاكتئاب.

 

الحزاز البسيط:

بقعة حاكة بشدة محدودة تبدو حمراء سميكة مع بعض الوسوف وزيادة وضوح الخطوط الجلدية، ينجم عن سلوك متكرر قهري من حك وفرك الجلد في منطقة محددة كالنقرة.

 

التهاب الجلد العصبي:

أكثر ما يصيب النساء بأعمار 30 -50 سنة، اللواتي يعانين من القلق والعصبية، وأحيانا الشخصية الوسواسية والاكتئاب. تشكو المريضة من حكة وتسحجات وندوب على جانبي العنق والصدر وأعلى الظهر والذراعين.

 

التهاب الجلد المفتعل:

يقصد به المرض الجلدي الذي يحدثه المريض بشكل مقصود مستخدما أظافره أو مستعينا بأداة أو مادة كيميائية (حمض مثلا ) أو باللهب، مما يسبب ظهور قرحات أو التهابا أو حروقا بأشكال غريبة يمكن للطبيب الحذر أن يميزها.

ينكر المرضى لدى سؤالهم أي علاقة لهم بإحداث الآفات، وتوفر لهم حالة المرض نوعا من الارتياح والدعم النفسي، لذا فإن هؤلاء الأشخاص غالبا ما يعانون اضطرابات نفسية عميقة  كالاكتئاب والقلق وعدم النضج العاطفي.

 

مرض خلل شكل الجسم:

هو اضطراب شائع جدا، يتمثل باعتقاد المريض بوجود خلل أو تشوه في شكله الخارجي غير متناسب مع الحقيقة . مثلا وجود فكرة مبالغ بها لدى الشخص بكبر أنفه، أو اعتقاد الفتاة أو المرأة بأن وجهها يبدو محمرا بشكل ملفت للآخرين، أو قد يتظاهر بألم أو حكة في المنطقة التناسلية خصوصا لدى الرجال قد يكون مرتبطا بخلل علاقاتهم الجنسية أو بأسباب أخرى.

يبدي المرضى سلوكا يتميز بالاهتمام الزائد بالمظهر الخارجي والهندام، أو النظر المتكرر إلى المرآة، أو الماكياج المبالغ به إلخ . . ، كما يخضعون للعديد من عمليات التجميل كتكبير الثدي أو جراحة الأنف.

تكثر إصابة هؤلاء المرضى بالاكتئاب والرهاب الاجتماعي واضطرابات نفسية أخرى، لذا فهم بحاجة إلى الدعم النفسي والمعالجة السلوكية إضافة إلى ضرورة استخدام الأدوية المضادة للاكتئاب في العديد من الحالات.

 

الدكتور مهند علي الجندي

استشاري أمراض وجراحة الجلد