لقاح جديد للثآليل التناسلية وآمال عريضة للحد من سرطان عنق الرحم عند النساء

الدكتور عبدالله بن محمد العيسى

تعتبر الـ( HPV ) أو الفيروسات الحليمومية البشرية من أشيع الفيروسات وأكثرها إصابة للبشر وهي عادة تصيب الجلد والأغشية المخاطية ( الفموية ،  التناسلية ) .

وحالياً هناك أكثر من مائة نوع لتلك الفيروسات. ويمكن تصنيف فيروسات الـ ( HPV ) بشكل أساسي إلى نوعين:

-Oncogenic أو التي تلعب دوراً في سرطانات الجلد والمخاطيات.

-Non-oncogenic والتي هي بريئة من ذلك،  وهي تشكل الغالبية العظمى من هذه الفيروسات.

ولعل الأكثر أهمية هي الفيروسات التي تصيب الأغشية المخاطية التناسلية الشرجية، وهي تظهر على شكل ثآليل تناسلية كما أن جزءاً منها له علاقة بسرطانات عنق الرحم فمثلاً هناك نوعان هامان من هذه الفيروسات هما HPV16 HPV18  وتأتي أهميتهما من أنهما يسببان حوالي ( 70 % ) من سرطانات عنق الرحم لدى النساء.

والمشكلة أن هذه الفيروسات معدية بشدة، والعديد منها لا يتظاهر بأية أعراض، فلا ألم ولا حكة ولا مفرزات . وبالتالي فالشخص المصاب قد ينشر العدوى دون علمه بأنه مصاب أصلاً. وهذا ما يجعل الثآليل التناسلية من أشيع الأمراض المنقولة جنسياً على الإطلاق.

إذا تأتي أهمية العلاج والوقاية من ناحيتين :

أولا : قدرة الفيروس على الانتقال بسهولة . وثانياً علاقة الفيروس ( بعض الأنواع ) بسرطانات عنق الرحم. فمن المعروف أن حوالي 25% من المصابات بالعدوى التناسلية  لديهن فرصة الإصابة بأمراض قبل سرطانية ( CIN ) و 1% بسرطان عنق الرحم . وهذه النسبة ليست ضئيلة إذا عرفنا أن سرطان عنق الرحم هو الثاني شيوعاً بعد سرطان الثدي لدى النساء.

المعالجات كثيرة ( تبريد ـــ كي ـــ أدوية موضعية ـــ ليزر ) وهي عموماً تحتاج إلى تكرار ومتابعة للوصول إلى الشفاء إن أمكن .

إلا أن الأهم للسيطرة على انتشار المرض عالمياً هو موضوع الوقاية. ولهذا الغرض كانت المحاولات الجادة لإيجاد لقاح مضاد.

وهناك الآن نوعان من اللقاحات المضادة للفيروسات ( HPV ) التناسلية تمت دراستها .

الأول مضاد لأربع سلالات فيروسية من ضمنها بالطبع النوعان الأكثر خطورة ( HPV18 HPV16 ) .

تمت دراسة اللقاح بإعطائه لــ  ( 277 ) فتاة بعمر ( 16 – 23 سنة ) مقابل إعطاء لقاح وهمي placebo لـ ( 275 ( فتاة أخرى.

بعد 3 سنوات تم استقصاء كلتا المجموعتين من ناحية أي مرض تناسلي له علاقة بهذه الفيروسات ( HPV ) سواء بشكل ثآليل، آفات قبل سرطانية أو سرطان عنق الرحم فوجد أن اللقاح يؤمن حماية تصل إلى 90%. ولم يظهر لدى أي من الإناث الملقحات ضد الفيروس آفات سرطانية أو قبل سرطانية بينما ظهر لدى المجموعة الثانية .

وفي الشهر السادس عام 2006م وافقت إدارة الدواء والغذاء ( FDA ) على إعطاء اللقاح المذكور للإناث بعمر ( 9 – 26 ) سنة كوقاية من الثآليل ومضاعفاتها، ويعطى اللقاح عضلياً على ثلاث جرعات ( اليوم الأول – بعد شهرين – بعد ستة أشهر ).  ولم يترافق بأعراض جانبية تذكر سوى ألم عابر مكان الحقن.

وفي أوروبا يسمح بإعطاء اللقاح للذكور أيضاً بعمر (9–15) سنة.

هناك لقاح آخر مضاد للسلالتين الفيروستين الأشد خطورة HPV18 HPV16 .

تمت دراسته على ( 1113 ) أنثى بعمر ( 15 – 25 ) سنة وتمت متابعته لمدة 18 شهراً، وقد أعطى اللقاح فعالية ضد انتقال العدوى وضد التحولات السرطانية  لعنق الرحم تتجاوز 90% .

ومن الفيروسات الآخرى الشائعة والمؤرقة للإنسان فيروس  (VZV) أو الفيروسات المسببة لجدري الماء ( العنقز ) وداء المنطقة (الحزام الناري).

تتسبب العدوى الأولية عادة بمرض جدري الماء أو العنقز وتنتقل الفيروسات عبر تنفس الهواء المحمّل بهذه الفيروسات ( سعال –عطاس ) أو ملامسة سائل الحويصلات من جلد مريض . ومرض جدري الماء ( العنقز ) هو مرض سليم عادة لدى الأشخاص طبيعيي المناعة . أما داء المنطقة (الحزام الناري) فلا ينتقل مباشرة من شخص لآخر بل يتم عبر إعادة تفعيل الفيروس لدى شخص أصيب سابقاً به، وظل الفيروس بحالة خامدة ضمن أعصابه. وهو يصيب عادة المتقدمين بالسن على شكل طفح جلدي يتبع مسير عصب معين لذلك نراه على الأطراف أو الوجه محدودا بمنطقة معينة ولا يتجاوز خط منتصف الجسم عادة ويكون المرض ذا أهمية في بعض الحالات كالتالية :

-إذا شملت الإصابة العين .

- إذا كان الشخص ناقص المناعة لأي سبب حيث قد تتوسع المنطقة المصابة وتصاب بالتهابات جرثومية ثانوية . وقد يتقرّح الجلد ويتندب.

-استمرار الألم الناجم عن أذية الأعصاب حتى بعد زوال الطفح Post herpetic Neuralgia . وللأسف قد يستمر هذا الألم لدى نسبة من المصابين أشهرا أو سنوات وخاصة ناقصي المناعة أو المسنين ( أكثر من 60 سنة).

تم البدء بإعطاء لقاح جدري الماء ( العنقز ) للأطفال منذ عام 1996م . أما الجديد في الأمر فهو اللقاح المخصص لإعطائه للمتقدمين بالسن ( رجالا ونساءً فوق 60 سنة ) لحمايتهم من داء المنطقة ( الحزام الناري ) وهو يعطى بشكل حقنة واحدة تحت الجلد.

تم إعطاء اللقاح خلال دراسة لــ ( 38546 ( شخصا ممن تجاوزوا الستين وأصيبوا سابقا بجدري الماء ( العنقز ) ولم يصابوا بداء المنطقة ( الحزام الناري ) بهدف حمايتهم منه أو على الأقل تخفيف شدة الإصابة وتقليل المضاعفات، وهذا ما كان فقد انخفضت نسبة حدوث الألم العصبي التالي للإصابة بمعدل 66.5% لدى من تلقوا اللقاح. مدة فعالية هذا اللقاح هي نظريا ثلاثون عاما إلا أنه عمليا تتم متابعته منذ ثلاث سنوات فقط. لم يحدث خلالها مضاعفات أو تأثيرات جانبية هامة فكل ما تمت ملاحظته ألم أو احمرار مكان الحقن، طفح جلدي عابر.

للأسف إن المصابين بضعف المناعة لأي سبب وهم الأكثر عرضة لهذه الفيروسات ما زالوا بانتظار لقاحات آمنة بالنسبة لهم فاللقاح المذكور هو لقاح مُعدٌّ من سلالات حية مضعفة من الفيروس وليست مقتولة وبالتالي يشترط لاستخدامها سلامة الجهاز المناعي للشخص المؤهل للقاح .

لكن هذا حتما لا يقلل من أهمية هذا الإنجاز وأعتقد أن اللذين عانوا أو سمعوا عن الآلام التالية لداء المنطقة هم أكثر الناس شعورا بأهمية تلك اللقاحات.

 

الدكتور عبد الله محمد العيسى

استشاري أمراض طب وجراحة الجلد والعلاج بالليزر

 

 

 

The best bookmaker in the UK William Hill - whbonus.webs.com William Hill