نضارة البشرة من الغذاء ... لا من الدواء

الدكتور عبدالله بن محمد العيسى

هل من علاقة بين الطعام والبشرة؟ خبراء التغذية واختصاصيو الجلد يجيبون بنعم كبيرة، مؤكدين أن العلاقة بين الاثنين حميمة، بدليل نتائج الأبحاث المتعلقة بالدور الذي يلعبه الغذاء في صحة الجلد والشعر والأظافر.

 

الدكتور عبد الله العيسى أحد الأطباء المهتمين في هذا المجال وكان قد حدثنا في السابق عن العديد من الإجراءات الطبية التي تؤخر في شيخوخة الجلد وتحافظ على البشرة لتبدو أكثر شباباً، وحديثه اليوم يتركز عن العوامل الداخلية والغذاء وعلاقتهما بنضارة البشرة. 

إن هذه الحميمية في العلاقة بين الغذاء والنضارة، ليست ذاتية المنشأ فحسب، بل إن عادات الناس وتصرفاتهم أيضاً قد أضفت على هذه العلاقة شيئا من القوة. فنحن عندما كنا أطفالاً، كان الكبار يحاولون أن يدخلوا في روعنا أن أكل التفاح يحمّر الوجه. وهذا الاعتقاد ما يزال يلازم الكثيرين منا حتى الآن، بدليل شرائح الخيار والطماطم والدرّاق التي تقنّع بها وجوه الكثيرات من راغبات الجمال وطراوة البشرة! فهل للمواد الغذائية التي تدخل جوف الإنسان أو تلصق بوجهه، هل لها أي تأثير فعلا على نضارة البشرة؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد من لمحة موجزة عن الأسباب الأخرى (عدا التغذية) المؤدية إلى التجاعيد والأخاديد التي تظهر على الوجه.  إن من أهم هذه الأسباب، كثرة التعرض لأشعة الشمس ولمسببات التلوث من دخان وغبار وسواهما. وفي هذا المجال لا يستطيع أحد من أن ينكر طبعاً أن بعض التجاعيد والتهدلات الجلدية مرده إلى عامل السن، وهو عامل لا مجال لمنعه. ولكن كثيراً من هذه التجاعيد ناجم عن الآثار التراكمية للأضرار التي تسببها الجذور الحرة، وهي مواد كيميائية غير مستقرة تشكل في الجسم لدى تعرض الجلد لأشعة الشمس وبعض المواد السمية.

ولكن لما كان كلامنا الآن منصباً على دور الغذاء في صحة الجلد ونضارته، فإن معالجتنا لهذا الموضوع ستكون متجهة صوب دور الغذاء في جمال البشرة.

لتجديد الجلد:

من الناحية الغذائية، لا مراء في أن نقصاً كبيراً في الفيتامينات يؤدي إلى جفاف الجلد وتقشره وإلى سقوط الشعر وتقصف الأظافر. ولا شك أيضاً في أن شيئاً من النقص يحدث بعض التأثير على مدة النقاهة من بعض الحالات المرضية فيطيل هذه المدة من جهة. وبسبب هذا النقص فإنه إذا جرح الإنسان فإن الندبة الجلدية الناشئة عن الجرح، يطول أمدها وقد يزداد حجمها.

ولكن ما حال النواقص الهامشية التي يمكن أن تحدث للشخص الذي عوّد نفسه على السرعة الخاطفة في تناول طعامه، ورضي بالتافه الزهيد من الأطعمة، وقنع بتجاوز بعض الوجبات، وامتنع عن أكل الفواكه والخضار، واكتفى بصرعات الحمية الغذائية (الريجيم) فهل هذه النواقص الهامشية قادرة على إتلاف الجلد؟

إذا كان نصف ما يتناوله الإنسان من طعام، يأتي بهذا الشكل، أو إذا كان طعامه مقتصراً على فئة واحدة أو فئتين من الأغذية الأساسية، فإن هذا الإنسان يجر المتاعب إلى نفسه.

فلقد ثبت للخبراء أن الجلد الشديد الجفاف مثلاً مرتبط بحدوث نقص معتدل في " فيتامين ـ أ " والأحماض الدسمة الأساسية. ونقص الحديد الشائع بين النساء الشابات في سن الحمل والولادة، يمكن أن يسبب شحوب البشرة واصفرار الوجه أما نقص الزنك فإنه يؤدي إلى جعل الجلد قابلاً للتقشر والإصابة بالطفح.

فهل يعني هذا أن على المرأة الراغبة في حماية جمالها أن تتعاطى أقراصاً غذائية تكميلية محتوية على الفيتامينات والمعادن، تغنيها عن تناول الطعام الطبيعي المتوازن؟

أكثر المختصين يجيبون قائلين: كلا! فالمرأة تستطيع الحصول على المواد الغذائية المفيدة كافة عن طريق تناول الطعام الصحيح المتوازن.

ولكن عدداً من خبراء الجلد، بدافع من اعتقادهم بأن أكثر النساء لا يحرصن على تناول الغذاء الصحيح دائما، يفتون بأن تعاطي الحبوب الغذائية التكميلية ربما كان ضرورياً للمحافظة على سلامة الجلد والشعر والأظافر، لا سيما وأن فئة معينة من هذه الحبوب التكميلية، إلى جانب قيمتها الغذائية، تعمل إلى جانب ذلك على التخفيف من الأضرار التي يحدثها طول التعرض لأشعة الشمس، والحيلولة دون التجاعيد وجفاف الجلد.

الزائد شقيق الناقص:

لكن على المرأة التي تتعاطى حبوب الفيتامينات والمعادن التكميلية، عليها في جميع الحالات مراعاة الاقتصاد وعدم الإسراف في تعاطي هذه الحبوب، لا لأن الإسراف يمكن أن يؤدي إلى عكس المقصود منه فقط، وإنما لأن تناول المرأة جرعات ضخمة (Megadosing) من هذه الحبوب يمكن أن يكلفها غالياً في ميدان الجمال.

توضيحاً لهذه الناحية نقول: أن تعاطي أقراص الصرعة الجمالية الجديدة، أي الأقراص الباهظة الأثمان، المركبة من الأعشاب البحرية، على حد زعم أصحابها، وكذلك الأقراص التكميلية الكثيرة الاحتواء على اليود، حتى ولو اقتصر استعمالها على مدة قصيرة لا تتعدى شهراً واحداً أو شهرين، تعاطي هذه الأقراص يمكن أن يسبب تساقط الشعر.

وفضلاً عن الفيتامينات والمعادن، فإن الباحثين يوجهون أنظارهم إلى مادة تكميلية مستخلصة من البحر واستخدموها دواء لتقليل آثار التقدم في السن. ويُزعم بأن السيدات اللواتي يستعملن هذه المادة كوصفة تجميلية بصورة أقراص، ينعمن فعلاً ببشرة ملساء ناعمة لا يشوبها لطخ جلدية، بعد البدء بتعاطيها بشهر واحد!!

بين الطعام ومواد التطرية:

إذا كان تناول الأطعمة الصحيحة المتوازنة يؤدي إلى زيادة رونق البشرة ونضارة الوجه، فأي دور في ذلك لمواد التجميل الفيتامينية التي يدهن بها الجلد مباشرة؟ وهل تستطيع هذه المواد حقا أن تعيد إلى الجلد الهرم شيئاً من شبابه؟ ليس من الممكن حدوث ذلك. والسبب هو أن نوع الفيتامين ـ أ الطبيعي الذي يغذي الجلد مختلف عن الأنواع الصنعية من هذا الفيتامين.

كما أن الفيتامين ـ هـ ( E )، طالما امتدح باعتباره مقوياً للبشرة. أن هذا الفيتامين مادة مرطبة طبية فعلاً، كما يقول خبراء الجلد، ولو أنه قد لا يفوق في قوته هذه، قوة كثير من الفئات الأخرى. فهذا الفيتامين هو من الأنواع الزيتية. ولما كان مادة لها صفة الزيت، فإنه يحتجز الرطوبة في داخل الطبقة البشرانية بالجلد. كذلك لا صحة للمزاعم القائلة أن فيتامين ـ هـ يستطيع مسح الندوب عن البشرة أو مط العلامات والشوائب المطبوعة على الجلد للتخفيف من آثارها على البشرة.

وبصدد الادعاء الصادر في الآونة الأخيرة بأن فيتامين ـ هـ يمكن أن يحمي البشرة من التأثير المؤدي الذي تحدثه بها أشعة الشمس والإشعاع فوق البنفسجي، فإن هذه "الحماية" هي من الضعف بحيث أنها لا تنفع كطلاء نموذجي للوقاية من أشعة الشمس (Sunscreen).

كذلك فإن منتجات حماية الشعر وتصفيفه، قد بولغ في تقدير قيمتها "الغذائية"، فمادة بانثينول وهي من مشتقات فيتامين ـ ب5، التي تضاف إلى الشامبو والمصففات، هذه المادة تمد الشعر بصورة مؤقتة بزيادة في الحجم وذلك بسبب اجتذابها المزيد من الماء إلى قصبات الشعر، وهذه الفائدة المؤقتة تسري أيضاً على مواد التجميل التي يدخل في تركيبها فيتامين ب ـ 12. ومع أن هذه المادة تضفي على البشرة رونقاً وتورداً بسبب إزالتها لخلايا الجلد الميتة، إلا أن هذه النتائج تكون مؤقتة.

أما فيتامين ك فهو الذي اكتسب أعلى علامات الاستحسان من قبل خبراء الجلد. فقد أظهرت الدراسات الأخيرة أنه بفضل مقدرة هذا الفيتامين على تسريع عملية شفاء الأوعية الدموية الراشحة (التي يتسرب الدم منها وإليها)، فإنه قادر على تقليل قابلية التكدم إلى حد ملحوظ.

مضادات التأكسد هل هي الجواب؟

بالإضافة إلى الفوائد الصحية التي تتمتع بها فيتامينات أ و هـ، فضلا عن فيتامين ـ جـ ( C ) فإن هذه الفئات من الفيتامينات تعزى إليها أيضاً ميزة كونها من " مضادات التأكسد " ( Antioxidants ). وهذه المضادات قد يجوز اعتبارها أكثر مجالات الأبحاث الجمالية انتشاراً في الوقت الراهن، وأدعاها للخصومة والجدل، فأسواق المواد التجميلية تزخر الآن بشعرات الأنواع الحديثة من مطرّيات الجلد ومرطباته والدهونات (Lotions) التي يدعي منتجوها بأنها تحتوي على المواد الواقية للخلايا والفيتامينات المكافحة للشيخوخة. من الناحية النظرية يفترض بأن تكون هذه الدهونات طريقة مثالية لرد عقارب الساعة إلى الوراء. فمضادات التأكسد Anti-Oxidants هي مواد يفترض فيها أن تقمع المواد الكيميائية بالدم المسماة الجذور الحرة، وهي جزئيات سريعة ردود الفعل إلى حد كبير، ناتجة عن الأكسجين ودخان السجائر وأشعة الشمس والملوثات. فإذا تركت هذه الجذور الحرة على سجيتها بدون رادع يردعها أو كابت يكبت أفاعيلها الضارة، فإنها تعمل على تسريع عملية الشيخوخة وذلك بتدميرها كولاجين الجلد ونسجه الضامة.

هذا من الناحية النظرية أما من الناحية العملية فإن عدة أسئلة تبقى في حاجة إلى ردود عليها:

(1)              هل تحتوي مواد التجميل المطروحة في السوق، على تركيز كاف للفيتامين قادر على إحداث الأثر المطلوب المدمر لمفعول الجذور الحرة؟

(2)              هل هذه الفيتامينات مصنوعة على نحو يسمح لها بالتسرب عبر الجلد؟

(3)              وإذا كانت كذلك فهل يستطيع جلدك الإفادة منها؟

إلى الآن لم يجر بعد أحد الخبراء أي دراسات بشرية طويلة الأمد لإثبات فاعلية هذه المواد. ومع ذلك فإن كثيراً من الخبراء الجلديين بالولايات المتحدة يبدون تفاؤلاً إزاء نتائج الأبحاث الجارية حالياً، لإثبات صدق هذه النظريات. وحتى المتشككون في فائدتها، موافقون على أنها لن تضر - إذا لم تنفع -.

وأخيراً إذا خطر لك أن تستعملي أحد هذه المنتجات، فكيف تقررين اختيارك له؟ أنه لا فائدة ترجى من قراءة قائمة أسماء الفيتامينات المطبوعة على حق هذا المنتج (فالأسماء قد تكون مطبوعة ولكن النسب المئوية لتركيزها لا تكون موجودة)، ولا فائدة من الاحتكام لسعر هذا المنتج (فالأنواع الرخيصة منها كثيرا ما تكون أفيد من الأنواع الغريبة الأسماء المرتفعة الأسعار). ثم إن التركيز الكبير للفيتامينات ليس دائماً من الأمور المستساغة: فهناك جلود حساسة تجاه فيتامين ـ هـ، والتركيز العالي لها قد يسبب لمن يستعمله طفحاً جلدياً أحمر. وفيتامين جـ الموضعي الاستعمال قد يؤدي استخدامه إلى لسع تحس به صاحبة الجلد الجاف أو الحساس.

وفي النهاية فإن ما تنصح به السيدة المستعملة لهذه المواد، لا تختلف عما تنصح به كل مستعملة لأي مادة أخرى من مواد التجميل: وهو معرفة مدى تأثيره عن طريق التجربة الذاتية والممارسة الفردية.

 

الدكتور عبد الله بن محمد العيسى

استشاري أمراض طب وجراحة الجلد والعلاج بالليزر