الـكـورتـيـزون ...... نـعـمـة أم نـقـمـة؟

الدكتور محمد غياث التركماني

 

انتهيت من فحص المريض وأخبرته عن حالته المرضية ثم قلت لهلقد وصفت لك دواء يحتوي على مادة الكورتيزون ... قاطعني مسرعا ولم يدعني أكمل إرشادات اســتخــــدام الدواء .. فـقـــال  : ماذا؟ كورتيزون؟ .. قالها وقد احمرت عيناه، وانتفخ خداه وانتبجت عـروقـه ، ونظر إلي محدقاً .. وبدأت أشعر وكأني قد ارتكبت خطأ فادحا لا سمح الله . فهدأت من روعه ، وطلبت منه أن يجلس فأذعن لما طلبت ، ثم رحت أسأله : ولكن ماذا تعرف عن الكورتيزون أيها الأخ الكريم ؟

فرد علي بنبرة حادة : الكورتيزون دواء خطير وله آثار جانبية كثيرة ومعروفة ويجب على الإنسان أن لا يتناوله ، هذا ما عرفته من المجالس والأصحاب ، ثم صمت وانتاب العيادة سكون للحظات ...  ولما أدركت أن الوقت قد حان كي أدلي بدلوي بدأت أخبره بقصة الكورتيزون وما هي منافعه وأضراره .

 من المعروف أن الأدوية سلاح ذو حدين إذا أحسن الإنسان استخدامها أفادت بإذن الله وإن أساء أدت إلى عواقب وخـيمة لا سـمح الله . والكورتيزون عبارة عن منتج هرموني طبيعي يفرز من قشر الغدة الكظرية الموجودة فوق الكليتين ويخضع إفرازه لاعتبارات عديدة وتحت سيطرة تامة ومـحكمة مـن الجزء الأمـامي للغـدة الـنخامية ، وهذا أيضا يخضع للسيطرة الدماغية من منطقة في الدماغ تدعى تحت المهاد وسبحان الخالق في إبداع خلقه لأن أي اختلال أو عطل في هذا التوازن يؤدي إلى أمراض وعلل عديدة.

تفرز الغدة الكظرية  في الظروف الطبيعية حوالي  5 – 7.5 ملغ من الكورتيزون يومياً وهذه القيمة ضرورية جدا من أجل اكتمال مسيرة النمو البشري خاصة إذا علمنا أن مستوى الكورتيزون الفيزيولوجي المفرز من الجسم ضروري جدا للعديد من العمليات الإستقلابية في الجسم حيث يحافظ على معدل السكر في الدم ضمن الحدود الطبيعية.

ومن المعروف أن سكر الدم هو الغذاء الرئيسي للدماغ . فالكورتيزون يقوم بتصنيع السكر من مواد غير سكرية ( بروتين وحموض أمينية ) عند حاجة الجسم لذلك.

وللكورتيزون استعمالات عديدة في مختلف شعب الطب وبشكلٍ أكثر انتشارا في الأمراض الجلدية  كأمراض الحساسية مثل الأكزيما ، الربو ، التهاب الأنف التحسسي ، الارتكاريا ، الحزاز والقائمة طويلة جداً . وقد يكون الكورتيزون العلاج الوحيد الفعال لمثل هذه الأمراض ناهيك عن استعمالاته الواسعة في الأمراض المعروفة بأمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء ، الروماتيزم وغيرها.

إن استعمال الكورتيزون بجرعات قليلة ولفترات يحددها الطبيب عادة ما تكون آمنة من دون ظهور مضاعفات تذكر ، أما عند استعماله بجرعات عالية ولفترات طويلة فقد يؤدي لبعض المضاعفات . التي تتلخص في حدوث زيادة نمو الشعر ، ارتفاع ضغط الدم ، هشاشة العظام ، زيادة معدل السكر في الدم ، زيادة الوزن ضمور ودقة في الجلد ، توسع في الشعريات الدموية وحدوث التشققات الجلدية.

والسؤال الآن لماذا أصبح الكورتيزون (( بعبع )) المجالس ؟ 

إن الاستعمال الخاطئ للكورتيزون من قبل عامة الناس كثيرا ما يؤدي إلى حدوث هذه المضاعفات ومن ثم يتناقل الناس هذه الأحاديث والأقاويل من مجلس إلى آخر . كل هذا أدى إلى إعطاء الكورتيزون هذا الاسم المخيف ، فأصبح الحصول على الكورتيزون أمرا في غاية السهولة فكم من صبية أتت إلى عيادتي تشكو من تشققات جلدية نتيجة تناولها حبوبا أو كريمات الكورتيزون الموصوفة من صديقاتها علها تزداد وزنا لتصبح أكثر جمالا ثم تأتي إلى العيادة وكلها حسرة وندامة على ما فعلت.

وكم من مريضة أتت تشكو من حبوب في الوجه وضمور وترقق في الجلد وازدياد في نمو الشعر تالٍ لتلك الخلطات السحرية العجيبة التي تحتوي على أشهر أنواع الكورتيزون شدة هذه الخلطات التي انتشرت بين الناس كانتشار النار في الهشيم.

هذه هي مجموعة من القصص التي نمر بها نحن أطباء الجلد خلال ممارستنا اليومية مع الكورتيزون . فهو نعمة في حسن استعماله ، ونقمة في سوء استعماله . وأنصحكم بعدم استعمال الكورتيزون جزافا دون مشورة طبية فالطبيب وحده العالم بعد الله بفوائد الكورتيزون ومساوئه . وصدق من قال : أهل مكة أدرى بشعابها.

الدكتور محمد غياث التركماني

استشاري أمراض وجراحة الجلد والعلاج بالليزر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

The best bookmaker in the UK William Hill - whbonus.webs.com William Hill