الدور الآخَر للعلماء

يستعرض الدكتور خالد الأشموني أحد مؤسسي «علماء مصر»، كيف استطاع مجموعة من العلماء المصريين والعرب إنشاء مؤسسة لدعم البحث والتعليم العلمي عبر الإنترنت.

 

أثناء دراسة مجموعة من طلاب الدكتوراة بين عدة دول مختلفة، ونقاشهم عن وضع البحث العلمي والتقنية في العالم العربي بصفة عامة، وفي بلدهم مصر بصفة خاصة، شعر هؤلاء الباحثون أن عليهم القيام بما هو أكثر من دراسة العلوم؛ فقرروا إنشاء كيان علمي؛ لمساعدة الباحثين والطلاب في مصر والوطن العربي. وبعد ثلاث سنوات من العمل التطوعى الحثيث المتواصل، كانت النتيجة اليوم هي نشأة مؤسسة غير ربحية، يعمل فيها ما يتجاوز المائتي متطوع ـ من مختلف الأعمار والتخصصات العلمية والصناعية ـ في سبعة مشروعات، يتم من خلالها تقديم خدمات ومنتجات مميزة لطلبة الجامعات، والباحثين، والخريجين، ورواد الأعمال.

بدأت مؤسسة «علماء مصر» في مطلع عام 2012 كمبادرة علمية (يمكنك التعرف على مشروعات المؤسسة ومراسلتها من خلال موقعها: egyptscholars.org)، أطلقها بضعة طلاب للدراسات العليا بجامعة متشيجان بالولايات المتحدة الأمريكية، بهدف إحداث طفرة كمية وكيفية في عدد العاملين في البحث العلمي والصناعة وريادة الأعمال. بدأ التواصل مع المهتمين والمستفيدين حول العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعى؛ وقد اجتذبت رسالة «علماء مصر» المزيد من المتطوعين للمشاركة.

 وفى منتصف عام 2013، تم تسجيل المبادرة بالولايات المتحدة، كمؤسسة غير ربحية، مستقلة، وقد وصل الآن انتشار المتطوعين لأكثر من 17 دولة حول العالم. ركزت المؤسسة نشاطها على تنمية عدة محاور، لرفع الوعي العلمي، وتفعيل التعاون بين الأكاديميين والصناعيين، ودعم الباحثين، والطلاب، ورواد الإعمال.


المحور الأول الذي ركزت عليه المؤسسة هو الاهتمام بتطوير المستوى العلمي لدى الخريجين، خاصة ذوي الشغف بالبحث العلمي والصناعات المتطورة، الراغبين في الالتحاق بالدراسات العليا في أرقى الجامعات والمعاهد حول العالم. ولمساعدتهم منذ بداية المرحلة الجامعية، تم إصدار موسوعة «خطوات» المعلوماتية، لتمهد للطالب والباحث معرفة أي شيء خاص بالدراسة في الخارج، من بداية تجهيز امتحانات القبول (مثل اللغة، وغيرها)، إلى ما يمكن توقُّعه في العام الأول من دراسته، مرورًا بالمنح الدراسية المتوفرة، وفرص القبول، وموارد مفيدة أخرى. استعانت المؤسسة بعشرات الباحثين المتميزين للكتابة في الموسوعة، ليشاركوا خبراتهم الأكاديمية حول مجالات الدراسة، والدول التي يعيشون فيها. كما تقدِّم المؤسسة خدمات استشارات للطلاب عن كل ما يتعلق بالدراسة في الخارج، وخدمات مراجعة لأوراق التقديم؛ لإضافة خبرات لهم، وزيادة فرص قبولهم. وقد دعمت أكثر من ألف باحث حتى الآن، وراجعت أوراقهم.

المحور الثاني هو نقل العلم والمعرفة، حيث قامت المؤسسة بعمل عدد كبير من الندوات التفاعلية عبر الإنترنت، في تخصصات علمية وبحثية وصناعية، وكذلك للمهتمين بريادة الأعمال، بجانب الندوات المتعلقة بشرح سبل الدراسة بالخارج، وتنمية المهارات المهنية والفردية.


المحور الثالث هو التوجيه الفردي والجماعي، ويتمثل في إنشاء معامل تفاعلية تضم عشرات الطلاب كل 4 أشهر، ليمارسوا آليات البحث العلمي، تحت إشراف نخبة من الأساتذة وطلاب الدكتوراة . يتم تقسيم الطلاب إلى مجموعات أصغر، ويتم العمل على مشروع بحثي بين مشرف ومجموعة صغيرة من الطلاب والباحثين الناشئين. وتبدأ المؤسسة حاليًّا مشروعًا جديدًا للتوجيه والإشراف المكثف لطلاب الجامعة لمدة 3 سنوات، تنتهي بتخرُّجهم بإمكانات عالية.

                             
المحور الرابع يتمثل في تكوين مجتمعات من المتخصصين في المجالات المختلفة. يعمل كل مجتمع على عدة مشروعات تهدف إلى إعلاء وتطوير المجال في مصر والدول النامية، واحتضان الأجيال الناشئة التي ترغب في الدخول إلى عالَم التخصص، بالإضافة إلى المشروعات البحثية والمشارَكات بين أعضاء المجتمع الواحد. يوجد حاليًّا مجتمع لأبحاث السرطان، وآخر للاقتصاد، ولا تشمل المجموعات مصريين وعربًا فقط، بل ترحب المؤسسة بالباحثين والمتخصصين من كل الجنسيات.


المحور الخامس هو ربط البحث العلمي والصناعة معًا، من خلال مشارَكات ترعاها وتسهل حدوثها المؤسسة، وفق معايير واضحة للأطراف المختلفة، ومساعدة الشركات في إيجاد مَنْ قد يساعدهم في حل المشكلات البحثية أو التطويرية، والعكس. يهدف هذا المحور إلى استقطاب الباحثين الذين يرغبون في التطوع، للعمل في أبحاث ترعاها المؤسسة والفريق المنوط بذلك داخلها.


المحور السادس هو دعم ذوي الاحتياجات الخاصة، وخصوصًا فيما يتعلق باحتكاكهم المجتمعي، وحصولهم على فرص تعليمية ومهنية متكافئة مع فرص غيرهم، قدر المستطاع. كذلك تضمن المؤسسة ـ من خلال ذلك ـ أن جميع خدماتها متاحة للجميع، بغض النظر عن احتياجاتهم المختلفة.

في الفترة المقبلة، تعتزم المؤسسة إنشاء فروع طلابية في جامعات متعددة من جميع أنحاء العالم؛ لتشجيع الطلاب والأساتذة على تبادل الخبرات، والتوجيه، والمشاركة في مشروعات المؤسسة.

 

الدكتور خالد الأشموني

عضو مجلس إدارة "علماء مصر"

وحاصل على الدكتوراه في الهندسة الكهربية وعلوم

الحاسوب من جامعة متشيجان آن أربر

 

نقلا عن مجلة الطبيعة العدد يناير 2015م