الجلد النعمة التي حبانا الله بها

الدكتور إبراهيم بن سنيد السنيد

يعتبر الجلد أكبر الأعضاء في الجسم، وهو بهذا الحجم يتعرض باستمرار للمؤثرات الخارجية والداخلية، واهتمام الإنسان ببشرته ليس وليد عصرنا هذا، فمنذ قدم التاريخ والإنسان يمعن في مراقبة بشرته واستخدام ما تصل إليه يداه للاعتناء بها، فإذا أدركنا أن كليوباترا الملكة المصرية المشهورة كانت تستخدم للاعتناء ببشرتها الحليب مع زيت الزيتون، حيث كان معروفا عنها نضارة بشرتها، لوجدنا أن ما كانت تقوم به ما هو إلا ترطيب وعملية تقشير خفيفة بالأحماض، وهو ما يتم استخدامه الآن بشكل موسع من قبل أطباء الجلدية وبتركيز مختلف.

إن تطور الإنسان المتسارع ومتطلبات عصرنا الحاضر جعلت العديد من الناس يقصدون عيادات الأمراض الجلدية وصالونات التجميل، وإذا أدركنا أن مرضا بسيطا كحب الشباب يمكن أن يكون عائقا في حصول أحدهم على وظيفة بسبب المظهر الخارجي أو يقف حائلا دون الزواج لكلا الجنسين، لأدركنا حجم المشكلة في هذا العصر، وإذا أضفنا أن كل رابع مريض يراجع العيادات هو مريض جلدية لعلمنا مدى أهمية هذا التخصص.

 

          فالجلد هو مرآة الإنسان، يعكس الوضع الصحي والنفسي والاجتماعي والمهني لكل منا، وإذا تطرقنا إلى مرض آخر من الأمراض الجلدية، وهو الحساسية، لوجدنا أن هذا المرض تشوب تاريخه مغالطات كثيرة ليست فقط من قبل عامة الناس، إنما كذلك من قبل أطباء عديدين، وإذا أردنا أن نعـّرف الحساسية تعريفا مبسطا، فهي تغير نوعي لمناعة الجسم يتسبب في حساسية مفرطة ينتج عنها حالة مرضية تظهر كطفح على الجلد.

 

          والحساسية شيء مكتسب يمكن أن يصيب أي إنسان في أي وقت من عمره، وهي لا تكون وليدة شيء غريب يتناوله الإنسان أو يحتك به، إنما سببها شيء اعتاد الإنسان عليه أو احتك به من قبل، والآن أصبح مرفوضا بالنسبة له، وعند الاحتكاك مرة أخرى يحدث التفاعل وتظهر الحساسية، التي في ظهورها لا تعتمد على الكمية المتناولة، إنما حتى القليل منها يؤدي إلى إثارتها، ويمكن أن تتكون عند إنسان معين حساسية ضد عدة أشياء، والحساسية مقسمة إلى أربعة أنواع، وأضيف مؤخرا إليها نوعان جديدان، وما يهمنا من هذا التقسيم هو النوع الأول والرابع.

 

          فالحساسية من هذا النوع هي الحساسية التي تسبب التهاب العينين والأنف التحسسي، وتكون مصحوبة بحكة واحمرار ودموع، وتثير الحكة والعطاس انسدادا وسيلانا بالأنف، ويضم هذا النوع الربو التحسسي، لأن الربو تكون أسبابه عدة أحدها الحساسية، وكذلك الشري (الأرتكاريا) الذي ينتج عن حساسية ضد بعض الأطعمة والأدوية أو لدغات النحل والنمل، وهذا النوع من الحساسية يمكن أن يتطور بشكل متسارع ويؤدي إلى الوفاة.

 

          أما النوع الرابع فهو الحساسية التلامسية، وهي تنشأ عن ملامسة الجسم للمادة التي تثير الحساسية، وهي مما نشاهده من الحساسية الناتجة عن لبس الساعة أو حلق الآذان واستخدام صبغة الشعر ومستحضرات التجميل أو الاحتكاك بالمنظفات، وما تثيره من حساسية، والتي نطلق عليها حساسية رباب البيوت، إضافة إلى ذلك هناك إصابات مهنية سببها الحساسية، فعمال البناء تتولد لديهم حساسية ضد الإسمنت وما يحتويه من مادة كرومات البوتاسيوم، والأطباء وبالأخص الجراحين والممرضات تتولد لديهم حساسية ضد القفازات، هذه الحساسية التي تصيب بعض المهن يمكن أن تؤدي إلى إعاقة مهنية تكون نتيجتها التخلي عن هذه المهنة.

 

          لهذا فإن تشخيص الحساسية ليس له علاقة بالتخمين أو الرجم بالغيب وإنما يستند إلى أسس علمية دقيقة تبدأ بتحديد نوع الحساسية، فإذا كانت من النوع الأول فتشخيصها يعتمد على إجراء الفحص بالوخز بالإبرة على ذراع المريض للمواد التي يعتقد أنها السبب، وهذا الفحص سريع ويمكن الاستدلال عليه بعد مضي 15 دقيقة، ويتم دعم هذا الفحص بإجراء فحص دم للمضادات الحيوية ضد هذه المادة.

 

          أما إذا كانت النوع الثاني، فإننا نحتاج إلى معرفة المواد التي يحتك بها المريض، ثم نجري الفحص بالرقعة على الظهر، وهي عبارة عن لصقة تحتوي على المواد المراد اختبارها، وتترك على ظهر المريض لمدة يومين ثم تزال وتتم القراءة الأولى، وفي اليوم التالي تتم القراءة الأخيرة وتحدد المادة.

 

كل هذه الفحوصات التي تم سردها هي بسيطة وميسرة، ولكنها مهمة جدا حيث أنها يمكن أن تؤدي إلى إنهاء معاناة المريض التي لا مبرر لها.

 

 الدكتور إبراهيم سنيد السنيد

استشاري الأمراض الجلدية والتناسلية والحساسية