حب الشباب والعلاقة النفسية

 

الدكتور صهيب مختار عجوبة

 

 

الجلد هو العضو الأكبر في جسم الإنسان، حيث تشكل مساحته (لدى الإنسان البالغ والمعتدل) حوالي  2م2 ويشكل نسبة 7-16 % من وزن جسم الإنسان، كما يشكل الجلد عامل حماية ودفاع من العوامل الخارجية.

 

و الجلد هو عضو متخصص له وظائف عدة، فمن أهم وظائف الجلد حماية الإنسان من الإصابة بالعدوى والاخماج، فيلعب الجلد دوراً مهماً في المناعة الطبيعية، فهو والغشاء المخاطي يعتبران الحاجز التشريحي الأول للجسم، كما يحتوي الجلد على خلايا المناعة المكتسبة لذا فإن الجلد يحتوي على جزئي -المناعة المكتسبة أو العضدية والطبيعية- (Innate and humeral immunity)  وقد تم إدخال مصطلح جهاز الجلد المناعي أو ما يعرف بـ(SIS)  أو     (Skin immune system) في عام 1987م.

 

 

 

 

وتعتبر نسبة انتشار الأمراض الجلدية عالية على مستوى العالم، ففي دراسة أجريت في المملكة المتحدة وجد أن 25% من سكانها أصيبوا بأمراض جلدية، كما وجد أن ما نسبته10% من المرضى الزائرين للعيادات الأولية يكون السبب الرئيسي في توجههم للمستشفى هي أمراض الجلد، ونادراً ما تتسبب الأمراض الجلدية في الوفاة مثل سرطانات الجلد Melanoma ، أو أمراض أخرى مثل TEN،Pemphigus لكن قد تتسبب الأمراض الجلدية عموما في كثير من الاضطرابات الاجتماعية والنفسية مثل الاكتئاب وعدم الثقة في النفس والقلق، نسبة لان الجلد هو واجهة الإنسان، ويعتبر الجلد أيضا مرآة للجمال، ففي كثير من أمراض الجلد قد تتأثر طبيعة حياة المريض المصاب بأمراض جلدية معينة مثل البهاق والصدفية وحب الشباب  أكثر من تأثره من الإصابة بأمراض عضوية أخرى قد تعتبر أكثر خطورة كمرض السكري مثلاً. وما يهمنا هنا هو التأثير النفسي والاجتماعي لحب الشباب.

 

فحب الشباب أو (العد): هو التهاب وحدة بصيلة الشعر المكونة من بصيلة الشعر والغدة الزهمية (الدهنية). يصيب هذا الالتهاب في الغالب مناطق معينة من الجسم  كالوجه والصدر والظهر والأكتاف وبصفة نادرة المقعد وباقي أجزاء الجسم، ورغم وجود الغدد الزهمية في فروة الرأس فإنه من النادر ظهور حبالشباب فيها، وذلك لأن نمو الشعر السريع يعمل على نزح الزهم فلا يتسبب في سد المسام.

 


 يظهر حب الشباب غالبا عند سن البلوغ، بالرغم من أن نسبة بسيطة من المرضى قد يصابون به في سن متقدمة    (Adult acne)، كما يوجد نوع آخر قد يظهر لدى الأطفال حديثي الولادة والرضع (Neonatal Acne،Infantile Acne)، كما يظهر حب الشباب بأشكال مختلفة، و قد يصاب المريض بشكل أو أكثر من أشكاله في آن واحد، كما قد يترك حب الشباب خلفه تصبغاتٍ بعد الالتهاب أو ندوباً تختلف في أنواعها من مريض إلى آخر.

 

 

و اختلفت الدراسات في كثير من الدول حول نسبة حدوث حب الشباب، لكن يتفق أطباء الجلد عموماً هذه الأيام على أن حب الشباب يعد من أكثر الإمراض الجلدية شيوعا بين شريحة الشباب، فقد أوضحت دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية أن حب الشباب يصيب حوالي 85% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين سن 12 و 24 عاماً، وبنسبة متساوية بين الذكور والإناث، ولكن لوحظ أنه يصيب الذكور بصورة أشد، وفي حوالي 8% مابين سن 25 و 34 عاماً، وفي 3% مابين سن 35 و 44 عاماً، يصيب حب الشباب منها الوجه في حوالي 54% من النساء و 40 % من الرجال.

 

كما أثبتت بعض الدراسات المنشورة حديثا أن حب الشباب يصيب كل الأعراق، ولكن بصفة أعلى قليلاً عند البيض (القوقازيين) بالمقارنة مع السود والآسيويين، بالرغم من أن بعض الدراسات "قديما" قد أوضحت أن الإصابة متساوية بين الأعراق ( Hanzen 1914 ) ، واعتبر (Child et al)  أن الإصابة بحب الشباب تكون نسبتها أعلى قليلا لدى السود (51%) بالمقارنة مع البيض (41%) ( Susan 2002).

 

 

ومن المعلوم أن العوامل النفسية والعصبية تلعب دورا مهما على الأقل في 30% من مجمل حالات الأمراض الجلدية، وبالرغم من ذلك إلا انه ولفترة طويلة لم تكن هناك دراسات كثيرة توضح مدى تأثير الأمراض الجلدية على نفسية وطبيعة حياة المريض، حيث كان طبيب الجلد المعالج يهتم بالجوانب المورفولوجية للمرض أكثر من غيرها، ومع ذلك كانت هناك محاولات عدة لتقييم مدى تأثر طبيعة حياة المريض (Quality of life) بالمرض الجلدي، لكن لم تكن هذه المحاولات دقيقة، وذلك لعدم وجود مقياس كمي متفق عليه يبنى على أساسه مدى تأثر الجوانب الحياتية والنفسية لمريض الجلد، كما لا يوجد تعريف جامع مانع لطبيعة حياة المريض (Quality of life) لكن يمكن القبول حاليا بالتعريف الذي ينص على أن طبيعة حياة المريض: هي درجة تمتع ورضا المريض خلال كل يوم من حياته.

 

و في عام 1975م قام (Plewis and Kligman) بمعاينة وتدوين الجوانب السلوكية لمريض الجلد ومدى تأثرها بالعلاج و أدخلت عبرهم كلمات تعبر عن مدى التأثر النفسي لمريض الجلد مثل (Bothered) يتم استخدامها من قبل طبيب الجلد.

 

وحديثا تم استحداث مقاييس كمية تستخدم حاليا لقياس مدى تأثر الجوانب الحياتية والنفسية لمريض الجلد، كما تستخدم في تشخيص وعلاج الأمراض الجلدية مثل مقياس Skindex وهو عبارة عن ثلاث مقاييس لثلاث محاور في طبيعة حياة المريض

 

  1. Functioning طبيعة ومدى تأثر العمل اليومي أو مهام المريض
  2. Emotions العواطف والعلاقات
  3. Physical symptoms مدى التأثر بأعراض المرض

 

وبطريقة حسابية معينة تحول هذه المقاييس الرقمية إلى نسب مئوية كلما زادت النسبة المئوية زادت معها نسبة تأثر طبيعة حياة المريض، كما توجد أمراض تستخدم لها مقاييس خاصة إلى حد ما، أو جرت العادة باستخدامها لمرض معين مثل مرض الصدفية  ومقياس طبيعة حياة المصاب بالمرض الجلدي المعروف بـ (DLQI "Dermatology Life Quality Index")، وفيما يخص حب الشباب فإن حب الشباب يعتبر من أكثر الأمراض الجلدية شيوعا وبالرغم من ذلك ركزت دراسات قليلة فقط على التأثير النفسي لحب الشباب مثل الاكتئاب والقلق والعواطف واضطرابات الشخصية والعلاقات  الاجتماعية، وقريباً تم استحداث مقاييس منها ما يعرف ِ(Acne severity grading scale and  acne Disability index) والتي تقوم بقياس الجوانب الاجتماعية والحياتية والنفسية لمريض حب الشباب.

 

وقد أثبتت دراسة أجريت على مرضى حب الشباب لمعرفة مدى تأثير حب الشباب على طبيعة حياتهم ومقارنة هذا التأثير مع تأثير أمراض أخرى على طبيعة حياة المريض كالربو المزمن والشديد وحالات الصرع ومرض السكر والتهاب المفاصل، ووجد أن نسبة تأثر طبيعة حياة المريض بحب الشباب مساوية لنسبة تأثر حياة المرضى بهذه الأمراض، كما أثبتت دراسة أخرى أن حب الشباب يؤثر على طبيعة حياة المرضى الأكبر سنا بقدر اكبر من المرضى الأصغر سنا، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على أن طول فترة الإصابة بحب الشباب أو عدم النجاح وبالشكل المطلوب في علاج حبوب الشباب، والتأثير الاجتماعي لحب الشباب يؤثرون وبشكل كبير على طبيعة حياة المريض، كما أجريت دراسة لتقييم الجوانب النفسية والاجتماعية لمرضى حب الشباب، ووجدت الدراسة أن المرضى المصابين بحب الشباب لفترة تتجاوز العشرة سنوات تضرروا نفسيا بقدرٍ كبيرٍ بالمقارنة مع الآخرين.

 

 

 

ولمعرفة التأثير النفسي لحب الشباب أوضحت كثير من الدراسات أن حب الشباب والحالة النفسية للمريض تتداخل بشكل كبير وذلك عبر ثلاث محاور.

 

المحور الأول:

 

لوحظ أن كثير من مرضى حب الشباب يشتكون من زيادة في حدة حب الشباب عند تعرضهم لضغوط نفسية أو مشكلات نفسية، وأدخل حديثا مصطلح حالة جسدية نفسية (Psychophysiological condition)، على تعريف حب الشباب، بمعنى أن الحالة الجسدية قد تتأثر بطريقة مباشرة ( فكما أوضحنا سابقا أن الجلد هو جهاز مناعي، أثبتت كثير من الدراسات أن المناعة عموماً تتأثر تأثيرا مباشرا بالضغوط النفسية، وهذه الخاصية تنطبق على كثير من الأمراض الجلدية مثل حب الشباب والصدفية كما تقوم الضغوط النفسية بتفعيل بعض الاخماج الجلدية كفيروس الهربيس، وتؤثر الضغوط النفسية أيضا على كثير من الأمراض غير الجلدية و تزيد من حدتها، كما أن بعض الدراسات أثبتت أن الضغوط النفسية تقلل وبشكل كبير من التئام الجروح وتزيد من الزمن المطلوب للتعافي من العمليات الجراحة كما أنها تزيد من حدة الألم)، أو بطريقة غير مباشرة مثل ما يعرف بحب الشباب العصبي أو الميكنيكي (Acne Excoree)(Acne excoriee)، وهي حالة تدخل ضمن ما يسمى بـ(Psychodermatosis) عندما يقوم المريض بمحاولة أخراج المادة الدهنية من حب الشباب بشكل عصبي، وقد يؤدي ذلك إلى استمرارية حب الشباب وظهور ندوب وجروح، وفي حالات نادرة قد تطلب إشراك طبيب أمراض نفسية في العلاج.

 

ولوحظ أن كثير من المرضى يعتقدون بصورة خاطئة أن حب الشباب يزيد عند الإفراط في تناول المواد السكرية مثل الشوكولا في حين يعتقدون أن الزيادة في أكل المواد السكرية ناتجة لديهم بسبب الضغوط النفسية مثل الضغوط العاطفية.

 

 

 

المحور الثاني:

 

لوحظ أن كثير من مرضى حب الشباب يتعرضون لمشكلات نفسية في مرحلة من المراحل، فقد أثبتت الدراسات أيضا أن مرضى حب الشباب يسجلون مستويات أعلى من حيث القلق والاكتئاب بالمقارنة مع فئات المجتمع غير المصابة أو حتى بعض المرضى المصابين بأمراض جلدية أخرى أو أمراض غير جلدية مثل السرطان.

 

المحور الثالث:

 

وفي الوقت الحاضر أصبح من الممكن تقسيم المشكلات النفسية المصاحبة لحب الشباب إلى نوعين:

 

  1. المشكلات أو الحالات النفسية الأولية (Primary Psychiatric Disorders) والتي ترتكز فيها شكوى المريض على حالة حب الشباب التي يعاني منها، أو يكون السبب الرئيسي لزيارة طبيب الجلد أو الطبيب النفسي هو حب الشباب، فكثير من حالات الهواس Psychosis  والاضطرابات الإلزامية الاستحواذية Obsessive compulsive disorders مبنية على شكوى حب الشباب أو يكون حب الشباب هو الداعي لزيارة الطبيب، ويقوم كثير من هؤلاء المرضى بإرجاع السبب وراء الحالة النفسية إلى حب الشباب.
  2. المشكلات أو الحالات النفسية الثانوية أو التفاعلية (Secondary or reactive disorders) مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات العواطف والشخصية والعلاقات الاجتماعية مثل العزلة الاجتماعية أو الرهاب الاجتماعي أو الإصرار الاجتماعي(Social Assertivenes) حيث لا يقوم المريض بالوقوف بإصرار بجانب نفسه أو مواقفه أو التفاعل الاجتماعي وفقدان الثقة في النفس أو فقدان المريض لثقته في جسده أو عدم تقدير المريض لذاته كما تؤدي وفي كثير من الحالات إلى الغضب والإحباط والحزن الشديد واضطراب في أدراك الواقع(Sense of Coherence) ، فقد أثبتت دراسة  لـ 112 فتاة مراهقة ما بين سن 15-17 عام 54 منهم من المصابات بحب الشباب و 58 منهم من غير المصابات أن حب الشباب يؤثر في مدى إدراك الواقع (Sence of coherence) لدى المصابات به.

 

 واختلفت كثير من الدراسات حول العلاقة بين حب الشباب والعوامل النفسية الثانوية في من يسبق الآخر، فقد أكدت دراسة أجريت على 22 طالب جامعي - أعمارهم ما بين سن 18-41 عام، مصابين بحب الشباب، أن فترة الامتحانات كانت سبباً في زيادة حدة حب الشباب، كما لوحظ أن زيادة حدة حبوب الشباب تتناسب طرديا مع زيادة حدة الضغوط النفسية. كما أن الضغوط النفسية الشديدة قد تؤدي إلى أعراض سيكوسوماتية (Psychosomatic Symptoms) تحدث في من هم عرضة لها بحسب الشخصية، وهي بتعريف مبسط (العوامل النفسية التي تؤدي إلى أو تأثر أو تزيد من أعراض الأمراض العضوية) مثل الألم، وعدم الراحة الجسدية أو الزيادة في أعراض أمراض القلب والربو للمصابين بها.

 

ولفهم طرق تأثير حب الشباب على نفسية المريض يجب أن نضع في نصب أعيننا سؤالا هاما وهو لماذا تؤدي حبوب الشباب إلى مضاعفات نفسية وعصبية؟؟

 

والسبب في ذلك يعود إلى أربعة عوامل

 

العامل الأول:

 

 أن حب الشباب يصيب بشكل أكبر المراهقين وما تنطوي عليه شخصية المراهقين النامية من عدم القدرة أصلا على تحمل الضغوط الخارجية، وتكون العواطف في الغالب خلال فترة المراهقة مضخمة، وفي بعض الأحيان ترتكز على صورة النفس الخارجية (Self image) ولكن تختلف مع اختلاف الشخصية من فرد إلى آخر، وما يحدد لنا شخصية المراهق هي مقدرته على إدراك الوقع (Sense of coherence)  بمعنى كيف يرى الشاب أو المراهق العالم من حوله ومدى تقبله للعالم ومدى مقدرته على تحمل الضغوط الحياتية ( عبر رؤيته لمعنى الحياة) فعدم إدراك المراهق للحياة يدل وبشكل كبير على احتمالات مواجهته لصعوبات نفسية وجسدية، وبالمقابل فإن إدراكه العميق للواقع (Strong sense of Coherence) يساعد وبشكل كبير على النجاح  في تحمل وتفادي الضغوط الحياتية وبالتالي المحافظة على صحته النفسية والجسدية، ويختلف إدراك الواقع بحسب شخصية المراهق ويحدد مدى إدراكه ثلاث أنواع من شخصيات المراهقين:

 

1-         الشخصية الانطوائية وما يقابلها من الشخصية المنفتحة فكلما كانت الشخصية منفتحة اجتماعية ومتقبلة للمتعة كلما كانت قادرة على الإدراك إلى حد ما.

 

2-         الشخصية العصبانية (Neuritism) أي الشخصية المستقرة عاطفيا وما يقابلها من عدم الاستقرار العاطفي، فغالبا ما تكون الشخصية غير المستقرة عاطفيا شخصية قلقه وتواقة ومتقلبة المزاج، وكلما كانت الشخصية مستقرة كلما كانت مدركة للواقع

 

3-         الشخصية الذهانية  (Psychotism) الشخصية المندفعة وما يقابلها من الشخصية المتروية، والشخصية المندفعة هي وإلى حد كبير شخصية فردية مركزية (Egocentric) باحثة عن المتعة وغير حساسة قد تكون شخصية عصبية وعنيفة واستحواذية وفي كثير من الحالات مثيرة للمشاكل.

 

وقد تتداخل هذه الشخصيات مع بعضها البعض وتتفاوت في مستوياتها، ويجب علينا هنا التفرقة بين نوع من أنواع حب الشباب يعرف بـ )(Acne Conglobata  يعتبر فيه حب الشباب شديد الأعراض، يغلب فيه النوع التكيسي الذي يصيب منطقة الجذع أكثر من الوجه، وتتحد فيه العقيدات والتكيسات، لتظهر على شكل خراجات، وتظهر هذه الحالة وبشكل نادر ضمن أعراض متلازمة (XYY)، ومن الأعراض المهمة في هذه المتلازمة الأعراض النفسية والسلوكية للمريض وهي أعراض أولية ففي الغالب يكون المريض ذكر مراهق طويل القامة ذا سلوك عنيف وشديد الغضب، كما يعاني المريض من تخلف عقلي خفيف ولا يجب إرجاع الأعراض النفسية المصاحبة لهذا المرض إلى حب الشباب.

 

 

العامل الثاني:

 

يصيب حب الشباب غالبا منطقة الوجه وقد تسبب تشوهات أو ندوب خصوصا في الحالات الشديدة، ففي دراسة أجريت حول نسبة انتشار الاكتئاب والتفكير في الانتحار بين مرضى الأمراض الجلدية المصابين بأمراض تسبب تشوهات، وجد أن المصابين بحب الشباب أكثر عرضة للانتحار من مرضى الثعلبة والحساسية الجلدية، وأبرزت الدراسة أن مرضى الصدفية الشديدة المنومين بالمستشفى لفترات طويلة وحدهم يسبقون المصابين بحب الشباب في العرضه للانتحار. في حين وجدت الدراسة أن حدة حب الشباب تتناسب طرديا مع العرضه للانتحار. وأوضحت دراسة أخرى لستة عشر حالة انتحار لمرضى مصابين بأمراض جلدية مختلفة أن سبعة من هؤلاء المنتحرين كانوا مصابين بحب شباب شكل لديهم تشوهات وندوب في الوجه، في حين أن ستة من السبعة لم تستجب حالة حب الشباب للعلاج بشكل جيد لديهم، ولم يكونوا مصابين بأي أعراض نفسية أو عصبية أولية، فيما وجدت الدراسة أن خمسة من الستة عشر منتحر كانوا مصابين بأعراض نفسية وعصبية أولية، ولكن فيما يخص الانتحار فقد تحكمه أشياء كثيرة كما نعلم، وقد تتفاوت نسبته من مجتمع إلى آخر فنجده قليلا في المجتمعات المحافظة إما لعدم الرغبة في الإفصاح عن الأعداد الحقيقية أو قلة الدراسات في هذا الخصوص أو لأسباب عقائدية أو دينية أو اجتماعية أو ثقافية، ومن ناحية أخرى أجريت دراسة على 101 طالب جامعي مصاب بحب الشباب وجد أن الطلاب المهتمون بمظهر وجههم  كانوا أكثر عاطفية واقل  واقعية وأكثر تأثرا بحب الشباب من غير المهتمين.

 

 

العامل الثالث:

 

 تركيز الفرد والمجتمع على المظهر (Appearance)،  فقد أوضحت دراسة أجريت لمعرفة تأثر طبيعة الحياة (Quality of life)  لـ 60 مريض بحب الشباب تتراوح أعمارهم ما بين سن 17_53 عام، أن أغلبية المرضى من النساء ويشكلون حوالي 72% من مجمل الحالات، وهذه النسبة مقبولة حيث يشكل المظهر العام للمرأة عاملاً اجتماعياً مهماً في كثير من المجتمعات مثل المجتمعات الغربية والتي تركز وبشكل كبير على المظهر الخارجي، مما يدفع كثير من النساء وبشكل أوسع من الرجال إلى زيارة الطبيب ( حتى عندما تكون الإصابة طفيفة بحب الشباب (Mild Acne))، بالرغم من أن بعض الدراسات قد أوضحت أن الإصابة وإلى حد بعيد متساوية بين كلا الجنسين، كما أوضحت الدراسة أن 93% من المرضى هم من ذوي البشرة البيضاء القوقازية (وقد تلعب الجوانب الاجتماعية والاقتصادية دوراً في هذه النسبة)، وبينت الدراسة أن 97% من المرضى متأثرين بشكل كبير بسبب إصابة حب الشباب للوجه، في حين أن أكثر من 50% كان تأثرهم بسبب المظهر العام (Appearance)، ووجد أن 19% قلقين من عودة حب الشباب إذا ما عولج، وعندما قارنت نفس الدراسة التأثير النفسي لحب الشباب مع التأثير النفسي لمرض الصدفية ( والذي يعتبر من أكثر الأمراض الجلدية تأثيرا على نفسية وطبيعة حياة المريض) وجد أن التأثير النفسي لحب الشباب مساو للتأثير النفسي لمرض الصدفية، بالرغم من أن مريض حب الشباب يعاني من أعراض جسدية اقل بالمقارنة مع مريض الصدفية.

 

 كما قامت دراسة أخرى بسؤال مرضى حب الشباب عن أكثر ما يزعج في حب الشباب وكانت الإجابة الأكثر هي المظهر (Appearance)، و التأثير على المظهر العام يدفع المريض إلى عدم الثقة في النفس أو ثقته في جسده مما يؤدي إلى الخجل والانعزال ويتبين هذا الأمر عند طلب العمل أو الظهور في مناسبات اجتماعية أو على شكل خوف من الحميمية أو التقرب  أو الدخول في علاقات عاطفية مع الجنس الآخر، كما تؤثر على حياة الشاب أو الشابة الزوجية، فقد أثبتت كثير من الدراسات التي أجريت على نساء مصابات بمرض تكيس المبيض( وهذا المرض يتميز بظهور حبوب شباب شديدة من النوع التكيسي مع زيادة في زهمية الوجه وتساقط في شعر الرأس وزيادة في نمو شعر الوجه الرجولي و أعراض أخرى مثل زيادة الوزن) أن تغيير المظهر العام كان مصاحبا لضغوط عاطفية شديدة مما قد يؤدي إلى التأثير على الطبيعة الأنثوية للمريضة وعزوفها عن العلاقات الزوجية أو الخوف من الحميمية (Fear of intimacy)، وفي المقابل فإن بعض الدراسات قد أثبتت أن علاج أو تحسن حب الشباب كان مصاحبا للتحسن في حالات الاكتئاب والقلق الناتجة عنه، كما لوحظ تحسن كبير لدى هؤلاء المرضى في قبولهم لمظهر جسدهم ككل.

 

العامل الرابع:

 

التخمينات والمفاهيم الخاطئة لمسببات وماهية حب الشباب وتأثير هذه المفاهيم (Misperception regarding etiology and nature of acne) فلقد أوضح في دراسة أن حوالي 30% من مرضى حب الشباب يعتقدون أن السبب في حب الشباب هو( قلة نظافة الجلد)، فإذا كان مثل هذا الاعتقاد موجود بين شريحة المرضى الذين "وإلى حد ما" تلقوا تثقيفاً صحياً من قبل طبيبهم المعالج، فحري بنا الاعتقاد أن تكون مثل هذه المفاهيم منتشرة بنسب اكبر بين عامة الناس.

 

كما يعتقد البعض أن لحب الشباب علاقة مباشرة بطبيعة الأكل المتناولة، ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن حب الشباب لا يسببه أي  نوع من أنواع الطعام – بالرغم من وجود دراسة أجريت على طلاب المرحلة الثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية، تبحث العلاقة بين تناولهم للحليب كامل الدسم وظهور حب الشباب، ووجدت هذه الدراسة أن هناك علاقة ايجابية، في الأغلب ناتجة عن احتواء الحليب على نسبة من الهرمونات لكن وفي العموم لقد أثبتت معظم الدراسات عدم وجود علاقة بين حب الشباب والأكل.

 

كما أن بعض عناصر الأسرة والمجتمع قد تتخوف من احتمالات انتقال المرض أو احتمالات العدوى بحب الشباب، وتوجد كثير من المفاهيم الخاطئة الأخرى بين الأصدقاء أو زملاء الدراسة والعمل عن سبب ظهور حب الشباب، ومثل هذه المفاهيم الخاطئة المتعلقة بحب الشباب قد تشكل نوعاً من وصمة العار، التي وبدورها قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية شديدة كالشعور بالخزي والخجل والشعور بالذنب والانعزال، كما أن الشخصية العصبية قد تكون عرضة لأعراض عصبية مثل كثرة غسل الوجه العصبي أو الغسيل الإلزامي الاستحواذي (Obsessive compulsive washing) وذلك عند الاعتقاد بأن حب الشباب له علاقة بدرجة نظافة الجلد، أو قد تؤدي إلى حب الشباب العصبي أو الميكنيكي (Acne Excoree)(Acne excoriee)، وعندما يتعلق الأمر بالأكل قد تؤدي هذه المعتقدات إلى اضطرابات الأكل النفسية مثل أعراض النهم الكلبي (Bulimia) أو فقدان الشهية العصبية (Anorexia)، ومن المفارقات هنا أن تتحسن حالة حب الشباب لدى المرضي المصابين باضطرابات الغذاء، فهم يلجئون إلى تجويع الذات حتى تتم السيطرة على حب الشباب، وذلك لأن كثيراً منهم يلحظون تحسن حالة حب الشباب عندما يقومون بتعريض نفسهم إلى حمية قاسية والى فترات طويلة جدا من الجوع، ويرجع السبب في تحسن الحالة هنا لنقص هرمون الاندروجين نتيجة للحمية القاسية والجوع، ومن المعلوم أن هرمون الاندروجين يعتبر من المحفزات الرئيسية للغدد الزهمية كما يعتبر أحد أهم مسببات حب الشباب.

 

وفي المقابل فأن بعض المفاهيم الخاطئة من المجتمع أو الأسرة أو الزملاء مثل الاعتقاد أو القول (بأن حب الشباب هو مسألة سطحية تتعلق بمرحلة طبيعية من حياة الطفل أو المراهق أو الشاب تأخذ وقتها ثم تختفي)، دون التركيز على الجوانب الأخرى للمرض خصوصاً من الأسرة قد تؤدي إلى إهمال المريض وإلى إهمال معاناته، وفي بعض الحالات قد نجد مثل هذه المفاهيم لدى بعض الأطباء أيضا، وذلك لعدم فهم هذه الفئات لأهمية الجوانب الأخرى خصوصا النفسية أو تقليلهم لأهميتها وذلك بقصد منهم (لما تشكله الجوانب النفسية من وصمة في كثير من المجتمعات المحافظة مثل المجتمعات العربية )أو بدون قصد، ومن الضروري هنا التركيز على نطاق الأسرة، فأن مثل هذه الأفكار قد تشكل عائقا أمام العلاج، بحيث يقوم الأهل بإهمال علاج الطفل لأشهر أو سنوات، وأحيانا إلى أن تؤدي حبوب الشباب إلى آثار جسدية ونفسية قد يصعب علاجها.

 

والتركيز على التأثير النفسي لحب الشباب على حياة الطفل أو المراهق أو الشاب ذا أهمية كبيرة وذلك لثلاثة أسباب:

 

السبب الأول: انه وفي وقتنا الحاضر لوحظ أن كثير من الشباب يتقدمون لطلب علاج حب الشباب أكثر من ذي قبل أو من الفترات السابقة.

 

السبب الثاني: أن الشباب يتأثرون بهذا المرض عبر عدة منحنيات مختلفة كما سبق وأوضحنا.

 

السبب الثالث: أن فهم الجوانب النفسية للمرض من قبل الطبيب يؤدي إلى تجنب مضاعفات كثيرة كما يساعد وبشكل كبير على اختيار العلاج المناسب، أو إشراك تخصصات أخرى (Multidisciplinary) مثل الطب النفسي أو الجراحة التجميلية، أو ما يعرفون بأخصائيين عاطفة الجلد (Skin-emotion specialist) الذين يمكن أن يكونوا إما علماء نفس أو أطباء نفسانيين أو أخصائيين اجتماعيين أو من مجالات الطب المكمل الأخرى.

 

 

 

الدكتور صهيب مختار عجوبة

استشاري أمراض وجراحة الجلد

مركز الجلد والحساسية

 

 

 

 

The best bookmaker in the UK William Hill - whbonus.webs.com William Hill